في ظلال الدستور: التواصل الإنساني في وحدة قلب الدبوس بالعدان

نشر في 07-02-2021
آخر تحديث 07-02-2021 | 00:10
إن القصة التي يجب أن تروى لجيل عايش «الترامبية الأميركية المخزية في أبشع صورها» كما وصفها مارك بيتزكي المحرر في «دير شبيغل»، هي قصة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، ود. عبدالرحمن السميط في مسيرة الخير التي قدمتها الكويت لإفريقيا.
 المستشار شفيق إمام في ظلال الدستور تظل رعاية الدولة للصحة العامة (مادة 15) تتبوأ مكانها اللائق بها، في أعلى مراتبها وأرقاها، على مستوى العالم كله في وحدة قلب الدبوس بمستشفى العدان، ولا غرو في ذلك في دولة الكويت، في مجتمع إنساني النشأة، وقد جمع في نشأته كل الأعراق والأجناس من الجماعات والقبائل العربية ومن العجم، وقد لاذوا جميعا بخيمة القرين، ليعيشوا في سلام، بعيدا عن الاضطرابات والنزاعات المسلحة، لتصبح هذه الخيمة، أول نشأة دولة الكويت، مجتمع الأسرة الواحدة حكاما ومحكومين، وليضع الرعيل الأول من أبناء هذا البلد دستورا إنسانيا، جمع بين دفتيه حقوق الإنسان، ولم يسبقه دستور آخر عاصره أو صدر بعده بعقود عني بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، كما فعل دستور الكويت الذي سبق الأمم المتحدة ذاتها بسنوات في إقرار العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للإنسان.

الإنسانية في وحدة قلب الدبوس

عايشت هذه الكوكبة الإنسانية، في وحدة الدبوس للقلب بمستشفى العدان، والتي يترأسها الطبيب النابه، الشاب د. الطيب القلاف، والذي له من اسمه الأول كل الصفات التي زامنت مهنته السامية عمقا ورقيا، ومعه كوكبة إنسانية من الأطباء الذين لا يتخيرون عنه في أدائهم المهني والإنساني، ولا غرو في ذلك، ومهنة الطب، هي في ناموس أبقراط أشرف الصنائع كلها، وهي مهنة إنسانية نبيلة، صدق أبقراط فمهنة الطب هي من أسمى المهن شأناً، مارسها النبي داود، وفي وحدة الدبوس كوكبة من هيئة التمريض برئاسة نجلاء الفضلي، وهي الهيئة التي زادتني انبهارا بهذه الوحدة الإنسانية، في تكامل الوحدة وإنسانيتها.

كان الجميع يتلمسون آهات المرضى وأنينهم، ويعايشون أوجاعهم، ويتفاعلون معها، محاولين إزالتها أو التخفيف عنها ما استطاعوا وشهادتي هي شهادة للتاريخ، ليست شهادة سمع، بل شهادة رؤية ومعايشة لأيام وليال قضيتها في هذا الصرح الإنساني الشامخ، اللهم لا نطلب منك رد القضاء، ولكن اللطف فيه، وقد لطف الله بي، عندما ألقت بي المقادير، إلى هذه الكوكبة الإنسانية.

وقد زارني الطبيب الجراح العالمي الرائع رياض الطرزي فاستعدت من الذاكرة القرار السريع والجريء لهذا الطبيب البارع والشجاع والمقدر لمسؤوليته في الحفاظ على حياة إنسان، فإليه بعد المولى عز وجل، أدين له بحياتي أو ببقية من العمر إذا شاءت إرادة المولى، فقد شق صدري بمبضعه، من دون تخدير ومن دون تطعيم، ليسحب كتلة من الدم أحاطت بالقلب ومنعته من حركته العادية في الانفراج والانقباض، وكان هذا الدم ينزف من أحد الشرايين بعد عملية «القسطرة» التي كانت قد أجريت لي قبل هذا الهبوط بنصف ساعة في أول أغسطس سنة 2009.

شاءت العناية الإلهية، أن يكون الأستاذ الدكتور رياض الطرزي، طبيب جراحة القلب والصدر العالمي موجوداً أمام باب المستشفى الصدري يهم بركوب سيارته مغادراً، عندما أصابني هبوط في الدورة الدموية، وأسرع أحد زواري بالاتصال به، فإذ به في بضع لحظات يحيط بي وثلة من ملائكة الرحمة لا يقل عددهم عن الثلاثين من الأطباء من كل التخصصات، ومن ممرضات وممرضين، كان الدكتور رياض قد ناداهم، بصوت ارتجت معه أرجاء المستشفى.

مسيرة التواصل الإنساني في الكويت

هي مسيرة بدأت، كما قدمنا، في نشأة المجتمع الكويتي وقبل نشأة الدولة، وبعد نشأتها، وفي دستورها الإنساني، والذي استهله الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم في تصديقه على الدستور، بالإيمان بدور الوطن في ركب الحضارة الإنسانية وقد اعترفت الأمم المتحدة، عبر أمينها العام بهذه المسيرة الإنسانية ولقبت الكويت بإمارة الإنسانية، ولقبت أميرها الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح رئيس الدولة، بأمير الإنسانية.

إلا أن قصة يجب أن تروى، لجيل عايش "الترامبية الأميركية المخزية في أبشع صورها" كما وصفها مارك بيتزكي، المحرر في "دير شبيغل" في مقال نشر له على صفحات "الجريدة" في عددها الصادر في 12 يناير 2021، عن المسيرة الإنسانية لبلدهم، الذي يتميز بروح الأسرة الواحدة عبر القرون بين الحاكم والمحكوم، عندما استدعى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح طيب الله ثراه، د. عبدالرحمن السميط رحمه الله، مدير عام جمعية العون المباشر ومؤسسها، والذي بذل حياته كلها قربانا لرسالته في مسيرة الخير التي قدمتها الكويت لإفريقيا.

استدعى الشيخ جابر، د. عبدالرحمن، وزوده ببعض المال في مسيرة الخير الذي تقدمه جمعيته، وأمر صاحب السمو بأن تكون رحلة د. عبدالرحمن القادمة للقارة السوداء، على طائرة الديوان الأميري، ولم يستطع د. عبدالرحمن إلا الامتثال لهذا الأمر، وعندما هم د. عبدالرحمن بركوب الطائرة، في الموعد الذي حدده الديوان الأميري، فوجئ بصاحب السمو في الطائرة، وقد قرر صاحب السمو الراحل الشيخ جابر أن يصحبه في هذه الرحلة، موصيا إياه بعدم تلقيبه بلقب الأمير، مؤثراً أن تكون جولته في هذه الزيارة لوجه الله وحده، متأسيا في ذلك بسيرة سيدنا عمر رضي الله عنه.

من مسيرة عمر بن الخطاب

ومن مسيرة الفاروق عمر- رضي الله عنه- أنه كان يتفقد شؤون الرعية ليلاً قبل صلاة الفجر، ومن ذلك الصرخة المدوية التي أطلقها من فوق منبر مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث اعترف أمام الله وأمام المسلمين بالذنب الذي ارتكبه، ويستغفر المولى من هذا الذنب الذي أتاه وهو يجهله! إنه قرار كان قد اتخذه براتب شهري لكل طفل مفطوم.

ففي جولة من جولاته في المدينة في أثناء الليل سمع عمر صوت بكاء طفل، وكلما عاد إلى المكان ذاته سمع بكاء الطفل ذاته، فتوجه إلى أمه يسألها «ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة عن البكاء»، فقالت له وهي لا تعرفه «يا عبدالله! إني أسكته عن الطعام حتى أعجل بفطامه، فيأبى ذلك فسألها: ولم تعجلين بفطامه؟! قالت «لأن عمر لا يفرض العطاء إلا للمفطوم». وفي الصباح صلى صلاة الصبح، ثم صعد إلى منبر المسجد ليقول للناس «بؤساً لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين!» واتخذ قراراً بتعديل قراره الأول ليكون العطاء لكل مولود، وليس لكل مفطوم، وأمر المنادي بأن ينادي في الناس بأن العطاء لكل مولود، حتى لا يعجلوا بفطام أولادهم.

المستشار شفيق إمام

الشيخ جابر رحمه الله صحب د. السميط في رحلة العطاء إلى إفريقيا وأوصاه بعدم تلقيبه بلقب الأمير
back to top