وجهة نظر : دمج الشركات النفطية مشروع مشاكل!

نشر في 05-02-2021
آخر تحديث 05-02-2021 | 00:30
 د. عبدالسميع بهبهاني أخذت مؤسسة البترول الموافقة المبدئية من المجلس الأعلى للبترول لدراسة مشروع دمج شركات النفط الكويتية (دمج) من 8 كيانات الى عدد أقل (تشير التكهنات الى 4 فقط)، اعتمادا على توصيات الشركة الاستشارية، التي يبدو أن المؤسسة قد أرسلتها على "شركة استراتيجي آند"، وذلك بعد أن الغيت دراسة سابقة كلفت أكثر من مليون دولار، من دون ذكر الأسباب!

وقد تفاوتت التكهنات حول جدوى المشروع بين كتاب، وقيادات، وتصريحات الرئيس التنفيذي للمؤسسة، مما يوحي أن قرار دمج الشركات قد اتخذ بغضّ النظر عن نتائج دراسة الشركة الاستشارية!

أهداف الدمج النظرية

من خلال التصريحات المشروع هو ضمن أهداف خطة 2040 التي تهدف الى زيادة إنتاج الزيت الخام والغاز، ومشتقاته، والبتروكيماويات، والصناعات النفطية التحويلية الأخرى. فبواسطة دمج تتحقق أهداف استراتيجية أخرى كخفض الكلفة التشغيلية، ومن ثم كلفة برميل النفط (الذي قفز 6 دولارات في 2020 ليصل الى 12 دولارا من 8 دولارات في 2019)، وزيادة فرص التوظيف، والتنسيق الهيكلي للقطاع بما يعطي مرونة ورشاقة، ومن ثم سرعة لاتخاذ القرار.

وبالدمج تزداد قدرة شركات المؤسسة على المنافسة مع الشركات العالمية الكبار في الإنتاج والتسويق. ففي الدمج يمكن الشراكة في مشاريع الشركات العالمية والمؤسسات الاستثمارية، حيث إن في الدمج عملقة الكيان ومن ثم زيادة الضمانة وتشجيع للشراكة. يبدو أن المؤسسة وضعت الأهداف والحل، ولم تترك فرصة للشركة الاستشارية!

مشاكل القطاع النفطي لا علاقة لها بالدمج!

كتبنا عدة مقالات حول جدوى الدمج وعلاقة ذلك بأهداف القطاع النظرية ("الجريدة": 18/2/2018، 8 /4/ 2018، 18/6/2019)، وغيرها مقالات متفرقة. تظهر بين الفترة والأخرى آراء حول مستقبل الطلب على الطاقة الأحفورية وأسعاره، والاقتصاد المستدام! وغيرها، ويربط ذلك بجدوى مشروع دمج الشركات النفطية. أكتفي بالمقالات السابقة حول العلاقة بالأهداف، وأعلّق على مستحدثات المزايا النظرية لمشروع دمج شركات النفط.

إن مشاكل القطاع النفطي التي تتكرر في تقارير ديوان المحاسبة تتمثل في:

1- سوء الإدارة التي تسببت في خسائر مشاريع ذات جدوى عالية من مصاف، وبتروكيماويات، وتردي إنتاج، وكهولة مبكرة لحقول النفط. وبذلك فقدت السبق في الأسواق، ومن ثم انخفضت قيمتها الاقتصادية في الناتج المحلي، فخسارة مليارات الدولارات سنويا. فرغم الأفكار الجيدة والملاءة المالية ننتهي بالفشل نتيجة سوء الإدارة، فلا تستغرب وجود مدير فريق متواضع يدير مهمة بثلاثة مليارات دولار!

2- تضخم وظيفي هامشي هو من أهم العوامل التي أثرت في كلفة برميل النفط الكويتي، ولإيضاح المفارقة نرى أن 33 ألف موظف في القطاع النفط الأميركي ينتج 15 مليون برميل نفط صعب يوميا، بينما 25 ألف موظف في القطاع النفطي الكويتي ينتج 3 ملايين برميل سهل يوميا! وهذا ما جعل الكلفة التشغيلية للبرميل الكويتي تصل الى أكثر من 60 بالمئة عن الكلفة البرميل عن الرأسمالية وهو الأعلى خليجيا! والسبب الأساسي هو توكيل مهام الكويتي المدرب الى مقاول، ومستشارين شكليين، وموظفين في مواقع غير اختصاصاتهم.

3- تضخم الميزانيات: فإضافة الى الفائض الوظيفي الذي لا علاقة له بمشروع دمج الشركات، هو تدني الأرباح الحرة (Free Cashflow) لارتفاع كلفة برميل النفط الكويتي التشغيلية، حيث أرباحه الأدنى عالميا (10 سنتات لكل دولار ارتفاع للبرميل). العلاقة السخية بين شركات المؤسسة والمقاولين في الأوامر التغييرية التافهة وتعليق العقود (Standby) مدفوعة الثمن التي تصل أقلها الى 2500 دولار في الساعة الواحدة دون عمل، وإيجار معدات بمشغليها دون مهمات وغيره. فبعثرة الأموال سهلة وسخية مع المقاولين وتوظيف متواضع للكويتيين. إن مشروع الاستدانة من البنوك المحلية والعالمية قادم رغم أن سخاء الإيراد السنوي، الذي لم يقل عن الـ 10 بالمئة منذ 30 سنة! فضمان الاستدانة من البنوك يعرض كيانات المؤسسة لمخاطر الدوران الكارثي للديون، ("الجريدة" عدد 3690).

4- نظام حوكمة شكلي ومكلف ولا قيمة له: فبالرغم من العطاءات السخية لأعضاء مجالس الإدارات الذين يفترض أن يستفاد من خبراتهم في رقابة أداء شركاتهم ومشاريعها، نجد هنا فشلا مكلفا في قراراتهم، والغريب أن المشاريع العملاقة التي سقطت وكلفت الدولة المليارات لم نجد مجلس إدارة حوسب على ذلك.

فمشكلة أعضاء في غير اختصاصاتها حقيقة مؤلمة، فالتعلم أثناء اتخاذ القرار فشل. والعثرات يكتشفها ديوان غير مختص قبل مجلس الإدارة!

دمج شركات النفط مشروع إضافة مشاكل لا حلّها!

لا علاقة بين ما يعانيه القطاع النفطي من مشاكل وبين مشروع دمج شركاتها، فنجاعة دمج الشركات التجارية (Company Merger)، خاصة في الأزمات المالية، بمقاييس لا تنطبق على الشركات الوطنية الحكومية، خاصة مقاييس العمل الكويتي. فبدمج الشركات يحدث تضخيم لميزانيات الكيانات المدمجة بما يجعل التحكم بها أصعب، فالخسائر المليارية في الكيانات الصغيرة ستكون كارثية في الكبيرة!

ومستغرب ربط المشروع الدمج بعوامل بعيدة جدا كتحديات الطاقة المتجددة التي استثماراتها خلال الثلاثين سنة الماضية تجاوزت 30 تريليون دولار، ولم تسلب أكثر من 1 بالمئة من الطاقة الأحفورية، وأيضا ربط المشروع بأسعار النفط المستقبلية التي بلا شك في تصاعد نتيجة زيادة الطلب، ونقص الإمداد، وتحكم متجانس من تحالف "أوبك"، إضافة الى تطور تكنولوجيا حبس الملوثات المنبعثة.

وأغرب ربط قرأته هو العلاقة مع الاقتصاد المستدام بعيدا عن النفط! إذ لا نرى في الأفق غير تصنيع النفط ضمانا للاقتصاد المستدام، بعد أن خسرنا مشاريع السياحة في جزرنا الخمس، مدينة الحرير وطريقه، ومشروع ميناء مبارك!

وليسمح لي قيادات التخطيط بأن مشروع دمج الشركات النفطية فيه مخاطرة كبيرة، ومؤشرات فشله بيّنة في صغير كيانات المؤسسة. ولذا أهدي توصيات مجانية للمؤسسة وللشركة الاستشارية:

1- قيّموا قيادات النفط وتحاشوا من كانت قفزاتهم سريعة للإدارة!

2- مجالس الإدارة الذين أقروا مشاريع مليارية فاشلة يُعزلون ولا يكافأون!

3- العقود التي تكثر فيها الأوامر التغييرية يُحاسب ويُعاقب مصمموها ولا يكافأون!

4- القيادات التي أهلكت حقول النفط (لتنتج 70 بالمئة ماء) لا يستحقون أي منصب!

5- الشباب الأذكياء، ينتقون بعيدا عن لعب "الكفاءة السلوكية" و"المقابلات الشخصية"!

6- الثروة الضخمة التي لدينا تحت الأرض لا تحتاج الى عملقة إدارية كضمانة للشراكات!

كان من الأجدى والأولى أن يسبق مشروع دمج الشركات النفطية، تقييم أداء الشركات الصغيرة للمؤسسة قبل الكبيرة، فالجدارة يجب أن تثبت أولا، بدلا من الاستعراض المكلف.

* خبير واستشاري نفط

د. عبدالسميع بهبهاني

back to top