رثاء... في ذكرى وفاة شقيقتي

نشر في 24-01-2021
آخر تحديث 24-01-2021 | 00:01
خطاب قديم بخط سعاد العبدالمغني
خطاب قديم بخط سعاد العبدالمغني
بكيت شقيقتي مرتين، الأولى عندما ودعتنا للدراسة في بريطانيا عام 1961 ... والثانية عند وفاتها في شهر يناير 2017!

تعود الذكريات إلى عام 1961 عندما كان بيتنا في منطقة "ب" بـ "الشويخ السكنية"، وكانت الأسرة في المساء مجتمعة أمام المذياع، وذلك للاستماع إلى نتائج امتحانات الثانوية العامة التي كانت تعلن عبر إذاعة الكويت، نظراً لقلة أعداد الطلبة الخريجين آنذاك، حيث كانت في الكويت مدرستان فقط، الأولى ثانوية الشويخ للبنين، والثانية ثانوية المرقاب للبنات، فورد اسم شقيقتي في الإذاعة، وكان ترتيبها السابع على خريجي المدرستين، ففرحت الأسرة فرحاً شديداً، وانهالت علينا الاتصالات من الأقارب والأسر الصديقة التي سمعت الاسم عبر الإذاعة للتهنئة والمباركة بنجاحها وتفوقها.

ولم تكتفِ شقيقتي عند هذا الحد في التحصيل الدراسي الذي يؤهلها لشغل أي وظيفة مناسبة ومرموقة في ذلك الوقت، وإنما رغبت في مواصلة دراستها الجامعية في الخارج، وكان تحفّظ المجتمع آنذاك يحول دون ابتعاث البنات إلى الخارج إلا ما ندر، إلا أن انفتاح والدي أسفر عن موافقته على طلبها من دون تردد، بشرط أن تكون دراستها في الخارج في كلية خاصة للبنات، فحصل له ما أراد، حيث أمّنت لها إدارة المعارف، في ذلك الوقت، كلية مناسبة في جزيرة "ISLE OF WIGHT" قبالة الجنوب البريطاني بوسط بحر المانش، وتمت إجراءات الابتعاث بسهولة ويسر، وكانت الدولة حينها تتحمل تكاليف دراسة أبنائها في الخارج بسخاء تام، وتوفير كل احتياجاتهم من سكن وملبس ومصروف جيب خاص..!

حزمت شقيقتي حقيبتها وتوجهت بصحبة الأسرة إلى مطار الكويت القديم، الذي تشغل موقعه حالياً منطقتا ضاحية عبدالله السالم والنزهة، وكانت لحظات الوداع صعبة، فقد انهمرت دموعنا مدراراً حزناً على فراقها تحت سلم طائرة B.O.A.C اختصاراً (للخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار)، لكن ما بعث الاطمئنان في نفوسنا، أنه كان معها عدد من الطالبات الكويتيات بالطائرة... واستمر التواصل معها عبر الرسائل والاتصالات والزيارات طوال وجودها بالخارج، حتى أتمت دراستها العليا بكلية البنات في الجزيرة آنفة الذكر.

استغرقت الدراسة خمس سنوات كاملة، وحصلت على شهادة عليا في تدريس اللغة الإنكليزية، ثم رجعت إلى الكويت ودرّست مادة اللغة الإنكليزية في مدرستها التي تخرّجت فيها (ثانوية المرقاب)، وعند هدم المدرسة انتقلت للتدريس في ثانوية الجزائر، ثم في بعض المدارس الأخرى، وتخرّج على يدها المئات، بل الآلاف من الطالبات، هن الآن أمهات وجَدّات.

كانت شقيقتي حريصة على تدريسي وفهمي لقواعد اللغة الإنكليزية وحفظها، وترجمة ما استعصى علّي فهمه، كما كانت حريصة على تدريس أبناء وبنات أصدقاء العائلة والأقارب بطرق مبسطة وحديثة لم تكن معروفة في ذلك الزمان، اكتسبتها خلال دراستها في بريطانيا.

ماذا أقول يا شقيقتي في الذكرى الثالثة لرحيلك؟ إن سلوتي وعزائي وما يخفف حزني، هو طيب أعمالك وحُسن أفعالك الخيرية، والله أُشهِد أنك الابنة البارة لأهلك، وسما برُّك بوالديك عندما بنيتِ لهما مسجدين كبيرين من مالك الخاص، مجهزين بكل احتياجاتهما ثواباً لهما، إضافة إلى أعمالك الخيرية التي لا تُعد ولا تُحصى؛ والتي منها كفالات أيتام ودعاة لنشر الإسلام وحفر الآبار والتبرعات للإغاثة وصدقات للفقراء، وغير ذلك الكثير الكثير، وتوصيني دائماً بأن أودعها باسم "فاعلة خير"..!

والله نسأل أن تكون هذه الأعمال في ميزان حسناتك، رحمك الله يا شقيقتي، وأسكنك في عليين مع الأنبياء والصالحين.

الصورة بالمناسبة، أول رسالة بعد سفر شقيقتي للدراسة، وهي بتاريخ 1961/11/15م .

د. عادل محمد العبدالمغني

back to top