آهات الكويتي الحزين

نشر في 22-01-2021
آخر تحديث 22-01-2021 | 00:07
 ناجي الملا لماذا يجد الكويتيون بمختلف أعمارهم في مسلسل "درب الزلق" و"الأقدار" استرجاعاً لسعادة مفقودة؟ السبب يكمن في انتقال الوعي والشعور عبر هذين العملين الفنيين بالذات إلى فتنة الماضي بكل تفاصيله الرائعة والثاوية في أغلب مشاهده، ولا يخفاكم الترويح عن النفس بالمواقف المضحكة التي تم حبكها وأداؤها من قامات فنية كوميدية باذخة.

إن المسلسلين يشكلان منتجعا وملاذا لأرواح الكويتيين المرهقة التي استوحشت حاضرها، حيث تحاصرهم فيه السياسة البشعة وما تفرزه من قلق وخوف من المستقبل وعليه، وما تقذفه آلاتها السياسية والإعلامية الصدئة من مشاهد مبتذلة مكرورة توجع أرواحهم في ظل ظروف مرتهنة بواقع قبيح مُجافٍ لجماليات ماضيهم المُفرح المطرَّز بألَق بحره وشواطئه التي كالتِّبْر البرّاق، وفرجانه وبرايحه التي ترتج بلعب الأطفال وأهازيجهم، والأجمل تلك القلوب الناصعة والعلاقات الطيبة والتواصل الحميم بين ناس ذلك الماضي، ولا ننسى صحراءه بسحرها ومرابعها المزركشة بالنوِّير والخزامى والموشاة بالأحياء وأجناس الطيور الجميلة التي تلاشت بكل تجلياتها بعد أن زحفت عليها المدن التي تنتعل الإسمنت والإسفلت والكربستون.

فلا بحر ولا شواطئ ولا فرجان ولا برايح ولا أياً من جماليات الماضي إلا ما نشاهده في لوحات الفنان أيوب حسين رحمه الله.

إن ماضينا الجميل بمغانيه وأهله الطيبين فردوس سعادتنا المفقود بعدما التقمَنا شِدْق واقعنا المرير الذي يورثنا احتقانا مؤلما وغصة نتجرعها كل ساعة أينما ووقتما كنا، بل حتى ونحن في برزخ النوم حيث تهاجُمنا هواجس، وأضغاث أحلام مزعجة تطاردنا.

نرجوكم يا صناع القبح انسحبوا من حياتنا لا نريد أن نرى وجوهكم ولا بصماتكم في حكومتنا وبرلماننا ومدارسنا ولا مشافينا ولا في سكننا ولا في شوارعنا ولا في إعلامنا بل حتى كل حياتنا.

نريد أن نعجن واقعنا بأيدينا، نريد أن نرسم لوحات حياتنا بفُرَش عبقريتنا وبروح ماضينا الفتان، نريد استرجاع شواطئنا، نريد أن نعيد لأطفالنا برايحهم وألعابهم ونستعيد فرجاننا وقهاوينا وكل تراثنا الحبيب.

نريد أن نهرب من أي واقع تساكننا فيه عاهاتكم لأنها سترسم بريشة القبح خطوط حياتنا وتلونها بألوان الكآبة المتناقضة والمتصافعة التي لا توحي ولا تثير فينا أدنى شعور بالإعجاب والفرح.

لا يمكن لأيادٍ تمتد للسرقة، ونفوس تتلظى فيها الرغبة لالتهام المال الحرام، وتعبد أصنام ذواتها ورغائبها أن تصنع الجمال والفرح.

نريد لصناعة الحاضر شخصيات فذَّة متحررة من غلظة المادة وتملك ذوقاً فنياً رفيعاً وإحساساً مرهفاً وقد تشرَّبت جماليات الماضي وتمثَّلت روحه وطيبته ومكنها الفهم العميق والاحترافي للواقع أن تسكب فيه بإبداع نفَس الماضي، فترسم لنا عبر الواقع بإنسانه وترابه وزمانه لوحة حية موضوعها السعادة وتعلق على جدار روح الإنسان الكويتي الحزين.

ناجي الملا

back to top