هل البشرية مهيأة لمفهوم «إنترنت الأجسام»؟

يتجسد بحبوب تبث بيانات من داخل الجسم أو أَسرّة ذكية تتابع نبضات القلب والتنفس

نشر في 14-01-2021
آخر تحديث 14-01-2021 | 00:11
مفهوم «إنترنت الأجسام»
مفهوم «إنترنت الأجسام»
قدّم "إنترنت الأشياء" للبشرية في ثوبها المعاصر السيارات ذاتية القيادة، والمبردات الذكية، وأجراس الباب التي تعمل بالفيديو، واكتسبت سائر الأشياء التي نتعامل معها في حياتنا اليومية خواص جديدة بعد تزويدها بمجسات ووحدات استشعار، وتوصيلها بشبكة الإنترنت، والآن بعد أن اعتادت البشرية هذه النوعية الجديدة من الأشياء، طالعنا العلم الحديث بمفهوم آخر وهو "إنترنت الأجسام"، الذي يضفي على التكنولوجيا صبغة شخصية، إذ صارت تخاطب كل إنسان منفرداً عن الآخرين.

ويوضح محلل الاتصالات بمؤسسة الأبحاث والتنمية الأميركية (راند) دوج إيفرينغ، أن "إنترنت الأجسام" قد يتجسد في صورة حبوب ذكية يتناولها الإنسان وتبث بيانات من داخل جسمه، أو أَسرّة ذكية تتابع نبضات القلب ومعدلات التنفس أثناء النوم، مشيراً إلى أن فريقاً طبياً أعلن أخيراً تطويرَ مرحاض ذكي يحلل الفضلات البشرية للوصول إلى استنتاجات طبية تخص صحة المستخدم على المدى الطويل.

ورغم المكتسبات التي يمكن أن تعود على البشرية من "إنترنت الأجسام"، كتحسين نوعية الحياة، والتوصل إلى تقنيات تسبر أغوار الإنسان وقد تنقذ حياته يوماً ما، يحذر خبراء مؤسسة "راند" من أن أي أداة إلكترونية تظل قابلةً للقرصنة الإلكترونية، حتى لو كانت داخل الجسم البشري، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات كثيرة تتعلق بحماية الخصوصية، والمخاطر الأمنية لهذه الأجهزة التي تعيش معنا، أو حتى داخلنا، على مدار اليوم.

وتقول عالمة الرياضيات في "راند" ماري لي، إن "العمل يجري على قدم وساق لتنظيم قواعد إنترنت الأجسام، ونحن نريد تحديد أطر بعض الفوائد التي تعود علينا من وراء هذه التقنيات، فشعبيتها آخذة في التصاعد، ولا بد من حسم القضايا السياسية الخاصة بها أولاً، والتأكد من وضع الأمور في نصابها الصحيح".

وغرست طالبة الدكتوراه بمدينة انتاريو الكندية، تمارا بانبري، التي تنتمي إلى مجموعة صغيرة من المبتكرين الذين يحاولون غزو الجسم البشري بالتكنولوجيا الحديثة، في يديها رقاقتين إلكترونيتين، تبدوان في صورة نتوء أزرق فاتح اللون تحت الجلد، حيث تخزن على الرقاقة في يدها اليسرى كلمات المرور وبيانات الهوية الخاصة بها، أما الثانية بيدها اليمنى فتستخدمها لتشغيل مقاطع الفيديو على هاتفها المحمول، عن طريق التلويح للجهاز عن بعد.

وتقول بانبري، التي تعد رسالة دكتوراه عن التكنولوجيا وأبعادها الثقافية: "نحن لا نريد أن ننظر إلى الوراء بعد 20 عاماً من الآن ونقول إنه كان لا بد أن نفرض حدوداً على هذه التقنيات، فيجب أن نفكر في هذه المسألة الآن، بينما المخاطر لا تزال محدودة".

ويعكف الباحثون في "راند" على محاولة وضع تعريف واضح لمفهوم "إنترنت الأجسام"، وتوصلوا في النهاية إلى رؤية فضفاضة لمساعدة صُناع السياسات على فهم التحديات والفرص السانحة، وخلصوا إلى أن هذا المفهوم ينطبق على أي جهاز يجمع بيانات صحية أو بيومترية، ويبثها عبر الإنترنت سواء بذاته، أو من خلال جهاز آخر كالهاتف المحمول.

ويندرج تحت هذا التعريف أجهزة قياس الوظائف الحيوية للرياضيين، ووحدات تسجيل المؤشرات الصحية، وبطاقات التعريف الإلكتروني للموظفين، ويتسع هذا التعريف ليشمل أيضاً جهاز البنكرياس الصناعي الذي يضبط نسب السكر بالدم، والرقائق الإلكترونية التي تغرس في المخ لتشغيل الأطراف الصناعية والدعامات الذكية التي تثبت داخل الأوردة لتلافي حدوث جلطات الدم، إضافة إلى الوحدات الاصطناعية التي تُزرَع داخل الأذن لاستعادة حاسة السمع، أو داخل العين لاستعادة النظر أو تحسين الرؤية بشكل عام.

ويرى الباحثون في "راند" أن تأثير هذه التقنيات على منظومة الرعاية الصحية سيكون بلا شك ثورياً، فالبنكرياس الصناعي والدعامات الذكية سيحافظان على حياة البشر، ولكن المكسب الحقيقي يتمثل بالكم الهائل من المعلومات والبيانات التي ستجمعها الأجهزة الذكية ويمكن توظيفها للتوصل إلى أفضل السبل للحفاظ على صحة الإنسان من خلال التوصل إلى وسائل علاجية أفضل، وتحسين الخدمة الطبية في المستشفيات، وخفض تكلفة الرعاية الصحية. ولكن هذه العملية لها وجه آخر يكشفه لنا خبير الكمبيوتر بولاية تكساس الأميركية توني شميدت، الذي يعاني اضطرابات في التنفس تتطلب استخدام جهاز معين لمنع انسداد مجرى التنفس أثناء النوم، وبدون هذا الجهاز، يستيقظ مئات المرات أثناء الليل وهو يشعر بالاختناق.

ويقول شميدت إنه استيقظ ذات صباح على رسالة إلكترونية من الشركة المصنعة للجهاز تهنئه بقضاء أول ليلة له من النوم الهادئ، مضيفاً "أدركت عندئذ أن الجهاز ينقل بيانات خاصة بي إلى الشركة المصنعة، فسارعت إلى شراء جهاز جديد وفصلته عن الإنترنت".

ويستطرد: "إنني لم أوقع أي وثيقة تسمح بنقل معلوماتي الصحية إلى أي شخص باستثناء طبيبي، وقد شعرت بانزعاج بالغ من نقل بياناتي إلى أشخاص لا أعرفهم".

وتمثل هذه الانتهاكات للخصوصية مصدر خطورة بالغاً من الأجهزة الطبية الذكية، لاسيما بعد أن أظهر باحثون أنه يمكن- على سبيل المثال- التسلل إلكترونياً إلى جهاز حقن الانسولين لشخص ما وإعطاؤه جرعة غير صحيحة قد تنهي حياته.

وكان نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني يشعر بالقلق من احتمال أن يتسلل شخص ما عبر الإنترنت للعبث بجهاز ضبط نبضات القلب الخاص به، لدرجة أنه فصل الخاصية اللاسلكية للجهاز الذي يستخدمه.

وخلص الباحثون إلى ضرورة وضع قواعد لضمان حماية خصوصية مستخدمي هذه الأجهزة الإلكترونية، مع ضرورة ابتكار برامج لقياس درجة الحماية التي توفرها من القرصنة الإلكترونية، والتأكيد على أهمية أن تعمل الشركات المصنعة على سد الثغرات الأمنية لهذه الأجهزة التي ربما تكون داخل الجسم البشري بالفعل.

وتؤكد ماري لي أن "إنترنت الأجسام" له فوائد طبية حقيقية، "ولكن يجب مجابهة المخاطر الأمنية أولاً لنحقق هذه الفوائد بالفعل".

back to top