هل تتحول فرنسا إلى قوة بارزة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؟

نشر في 05-01-2021
آخر تحديث 05-01-2021 | 00:00
 ذي دبلومات فرنسا لها حضور بارز في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ أكثر مما يعترف به الكثيرون، إذ تمتد الأراضي الفرنسية في هذه المنطقة على 11.7 مليون كيلومتر مربّع جنوباً، مما يعطي هذه القوة الأوروبية واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية الخالصة في العالم، حيث تحصل فرنسا بفضل هذه المساحات البرية والبحرية على منافع بحرية واقتصادية أخرى، حتى أنها قد تكسب نفوذاً مفرطاً في المنطقة، وإذا قررت فرنسا التعبير عن رأيها في مختلف المسائل هناك فلا يمكن تجاهلها بأي شكل.

كانت فرنسا من أولى دول الاتحاد الأوروبي التي أعطت أهمية كبرى لمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ، علماً أن رئيس الوزراء الياباني السابق آبي شينزو هو أول من عبّر عن هذا المفهوم.

على المستوى العسكري، لا تُركّز المشاركة الفرنسية في المنطقة على جزيرة معينة، وعلى عكس القوات البحرية التي ينشرها جيش التحرير الشعبي الصيني وتُركّز على الساحل الجنوبي، تنقسم القوات الفرنسية بين مختلف أراضيها في المنطقة، حيث تدرك فرنسا الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ باعتبارها ممراً يربط بين أوروبا وآسيا. أي محاولات لتحقيق مصالحها الوطنية وفرض سيادتها في المنطقة لا يمكن أن تتجاهل هذا الحوض البحري إذاً، حتى لو كان الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى وجود عسكري بارز في المنطقة اليوم.

لكن بدأت الظروف تتغير الآن، فقد حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مراقبة تطور الوضع في تلك المنطقة وأعلن فرنسا كقوة مؤثرة في المحيطَين الهندي والهادئ، ولا يزال الوجود الأميركي قوياً في هذه المنطقة، لكن يحاول الرئيس الفرنسي أيضاً أن يلتزم بالشعار الأوروبي الجديد الذي يدعو إلى "الاستقلالية الاستراتيجية".

ومن المتوقع أن تتضح نوايا فرنسا في هذه المنطقة قريباً، فقد نشأ محور موحّد بين باريس ودلهي وكانبيرا مثلاً رغم غياب العمليات المشتركة بين هذه الجهات، كما يحاول هذا التحالف أن يكثّف مظاهر التعاون البحري في المنطقةـ وقد تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة التوتر في العلاقات مع الصين، لكنّ هذا الوضع لا يزعج تلك الأطراف الثلاثة على ما يبدو، إذ يهدف التحالف الثلاثي أصلاً إلى توحيد المصالح الجيوستراتيجية في المنطقة.

فرنسا ليست الجهة الوحيدة المهتمة بمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ اليوم، إذ يُجمِع شركاء أوروبيون آخرون على أهمية هذه المنطقة أيضاً، حيث اعتُبِرت نشاطات بريطانيا هناك بمثابة "عودة" كبرى بعد فترة غياب، وغداة إقرار خطة "بريكست"، أعلنت لندن تدابير جديدة للعودة إلى المنطقة. لم ترحّب الصين بهذا النشاط بالضرورة، لكن تتماشى التدابير الجديدة مع المقاربة الأميركية التي تحاول الحفاظ على منطقة حرّة ويسهل الوصول إليها.

تماشياً مع توجّه فرنسا وبريطانيا، قررت ألمانيا بدورها أن تخوض مغامرة في تلك المنطقة، ومن خلال سلسلة جديدة من التوجيهات السياسية الخاصة بمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ، أطلقت حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مقاربة استراتيجية جديدة ترتكز بشكلٍ أساسي على التعاون في المسائل الشكلية أولاً. يكشف عنوان الوثيقة "ألمانيا، أوروبا، آسيا: رسم معالم القرن الحادي والعشرين معاً" أن برلين تدعم الشراكة الأوروبية وجهود التعاون في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ.

لكن لا تزال النشاطات العسكرية الألمانية في المنطقة أكثر تكتّماً من تحركات فرنسا وبريطانيا، ولا شك أن فرنسا ستكون أقوى من دول أوروبية أخرى، ومن الواضح أصلاً أن فرنسا تضع منطقة المحيطَين الهندي والهادئ نصب عينيها سواء رافقتها الدول المجاورة أو لم تفعل.

إذا زادت فرنسا الميزانية التي تُخصصها لهذه المنطقة، يعني ذلك أن موقف ماكرون الأخير كان بالغ الدقة، فقد قال: فرنسا قوة بارزة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ وهي تخطط للحفاظ على هذه المكانة على المدى الطويل، إذاً تستطيع فرنسا أن توسّع وجودها في هذه المنطقة بلمح البصر نظراً إلى الأراضي الاستراتيجية التي تملكها هناك.

كيم بينغ فار وكليمنتين بيزوت - دبلومات

back to top