اتفاقية تسليم المجرمين!

نشر في 05-01-2021
آخر تحديث 05-01-2021 | 00:05
د. عادل العبدالمغني
د. عادل العبدالمغني
من نوادر مكتبتي التراثية الكويتية هذه الاتفاقية النادرة، ومثل هذه الاتفاقيات والأوراق والوثائق القديمة التي تخص الكويت أشتريها من المزادات العالمية والمواقع الإلكترونية العربية والأجنبية التي تعرض ما لديها من أشياء قديمة للبيع، وتُجرى عليها مزادات، وأحياناً تفاوض مباشر مع البائع للشراء، وهذه الاتفاقية تم عليها مزاد من خلال موقع ebay العالمي للمزادات، وكان التنافس شديدًا جداً بين هواة من الكويت والمملكة العربية السعودية، وبحمد من الله وفضله رسا المزاد لمصلحتي!

وعلى كل حال، فإن حديثي عن "اتفاقية تسليم المجرمين"؛ حيث وقّعها، نيابة عن المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح، السير F.H.W.Stonehewer Bird، وعمله وزير مفوض ومندوب فوق العادة لصاحب الجلالة ملك بريطانيا بجدة؛ والطرف الثاني نيابة عن حكومة المملكة العربية السعودية هو الشيخ يوسف ياسين، رئيس الشعبة السياسية، السكرتير الخاص لجلالة الملك؛ وسريان مفعولها منذ وقت التوقيع بتاريخ 20 أبريل 1942، وتم تبادل التصديقات بتاريخ 1 مايو 1943 ومدة السريان خمس سنوات حتى عام 1947.

واشتملت الاتفاقية على تسعة بنود، وفي الحقيقة فإن أهم بندين في الاتفاقية، كما ورد في النص الآتي:

أولاً: "الجرائم التي يجب تسليم المجرمين فيها هي قطع الطريق أو السرقة أو السلب أو النهب أو القتل أو الجرح أو الغزو أو التهريب أو التعدي على وسائل المواصلات والنقل".

ثانياً: "لا يُسمح بالتسليم من أجل جريمة سياسية"؛ هكذا ورد حرفياً بالاتفاقية.

وبقية البنود الأخرى هي إجراءات شكلية تتعلّق بمواصفات المجرم الهارب، أو أي معلومات تساعد على معرفته، وملخص الجريمة التي ارتكبها، وإرفاق نسخة من الحكم الصادر من محكمة بلاده إذا كان قد صدر حكم على الجاني، وتقدّم طلبات تسليم المجرمين بواسطة القنصليتين البريطانيتين في كل من البلدين؛ الكويت والسعودية.

والحقيقة أن هذه الاتفاقية قضت قضاءً مُبرماً على كل حالات الإجرام والسرقة في ماضي الكويت والمنطقة عموماً، وشعر الناس في تلك الفترة بالأمن والأمان والاطمئنان على حياتهم وممتلكاتهم، كما كانت قبضة الأمن متيقظة وترصد وتتابع كل الجنسيات الوافدة للكويت ومكان إقامتها وعملها، وبذلك كان هذا الأمر رادعاً لكل سارق ومخالف للقانون، وكل الناس كانت تعرف أن التجار وأصحاب المحال في الماضي يتركون محالهم مفتوحة دون إغلاق وقت الصلاة أو حال عدم وجودهم في المحل، ويجدونها كما هي بكل اطمئنان.

أما بالنسبة للبند الثاني في الاتفاقية، الذي نص على الآتي: "لا يسمح بالتسليم من أجل جريمة سياسية"، فلقد جاء في الاتفاقية هكذا دون شرح لماهية أو طبيعة الجريمة السياسية، ويبدو لي أن الاتفاقية تجنبت الخوض في هذا الجانب لأسباب، وأعتقد أن الإنكليز عندما كانوا طرفاً فيها، فإنهم أبعدوا أنفسهم عن الخوض في قضايا السياسيين ومشاكلهم في كلا البلدين... ولا ننسى كذلك أن بريطانيا في عام 1942 وقت توقيع الاتفاق بواسطة مندوبها في جدة كانت تخوض الحرب العالمية الثانية، ومحور الشرق الأوسط ومنطقتنا يقف معها، فهي لا تود أن تخسر أياً من السياسيين وتُضيّق على نشاطاتهم!

back to top