الفيل يا ملك الزمان

نشر في 04-01-2021
آخر تحديث 04-01-2021 | 00:20
 أ.د. غانم النجار منذ أن انقرضت الديناصورات، ظل الفيل هو الأكبر حجماً من بين أقرانه.

وضخامة الفيل تذكرني بالحكومة؛ فلا يوجد من ينافسها في ضخامتها، فهي وكيلة عنا نحن المواطنين في ملكية الدخل القومي، وهو النفط، بنسبة ١٠٠٪، منذ التأميم في 1975، كما أنها تملك 97 في المئة من الأرض منذ 1954، وهو وضع استثنائي شاذ، ولكنه يزيد ضخامتها، كما أنها توظف قرابة ٩٠٪ من المواطنين، إذ يعتمدون عليها بشكل شبه كامل في معيشتهم، لتتحول تلك الأجهزة الحكومية إلى إنتاجية شبه معدومة، وتصبح مقبرة لأي طموح. كذلك فإن لدى الحكومة جيشاً، وأسلحة لا تستخدم حتى للضرورة، وشرطة وضباطاً، وحرساً وطنياً، فهي تحتكر الأمن بالكامل، ولديها أموال طائلة، وجهاز إداري أضخم من الفيلة، كما أن لديها ١٢ جهازاً للرقابة، ومع ذلك يتحرك الفاسدون بحرية كاملة؛ فهي ضخمة كما الفيل، وربما أكبر من الفيل، ولا يوجد لها منافس على أرضنا الصغيرة. جرت محاولات استنساخ منافس لها، حتى على هيئة فيل صغير، إلا أنها لم تنجح، رغم محاولات لإسباغ صفات على هذا النائب أو ذاك، بوصفه "أسد المجلس"، ولكن فيلنا ماضٍ لا يلتفت، فهو الأضخم على أي حال.

منذ أكثر من خمسين عاماً، أبدع سعدالله ونوس مسرحيته الخالدة "الفيل يا ملك الزمان"، وتحكي قصة فيل أحضره الملك للمدينة، فخرب أكثر مما أصلح، وهدم أكثر مما عمر، فانزعج منه الناس، ولم يعرفوا ما يفعلونه، حتى ظهر لهم رجل يدعى زكريا، وحثهم على إبلاغ شكواهم للملك، وعندما وافقوه على ذلك، أخذ يدربهم على كيفية الحديث في حضرة الملك، ومن ثم توزيع الأدوار، وكان دوره أن يبدأ بمقولة الفيل يا ملك الزمان، ثم يقول أحدهم المشاكل التي خلقها الفيل، وعندما وصلوا إلى الملك، دار الحوار التالي:

الملك: ماذا تريد الرعية من الملك؟

زكريا: الفيل يا ملك الزمان.

الملك: وما خبر الفيل؟

زكريا: الفيل يا ملك الزمان.

الملك: كاد صبري ينفد، ما خطب الفيل؟

التفت زكريا إلى الناس من حوله فإذا هم صم بكم لا ينطقون، وخوفاً من زكريا أن يُقطع رأسه، قال: الفيل بحاجة إلى فيلة تخفف وحدته وتنجب عشرات بل مئات الفيلة.

الملك (مقهقهاً): كنت أقول دائماً إنني محظوظ برعيتي.

بالطبع، ليس هناك شبه بين أحداث المسرحية الخيالية وأوضاعنا، إلا أن المؤكد أنه ما لم يتم إصلاح حال الفيل الحكومي، فإنه لا أمل يرتجى، ولا مستقبل يؤمل، مهما تقافز المتقافزون من أسود ونمور وثعالب.

أصلحوا الفيل، فيعم الأمان، وتغرد الأطيار، وتستقر الأوطان، وينام قرير العين ملك الزمان.

إنه الفيل يا ملك الزمان.

أ. د. غانم النجار

back to top