تداعيات الحراك الإسرائيلي على نتنياهو والسياسة الأميركية

نشر في 01-01-2021
آخر تحديث 01-01-2021 | 00:02
جلسة البرلمان الإسرائيلي التي عُقدت في وقت متأخر من ليل 21  ديسمبر 2020
جلسة البرلمان الإسرائيلي التي عُقدت في وقت متأخر من ليل 21 ديسمبر 2020
مهما كانت خطط نتنياهو، من الأفضل أن يُبلغ بايدن بهدوء قبل «يوم تنصيب» الرئيس الأميركي بأنه يريد إبقاء العلاقات مع الولايات المتحدة على مستوى عالٍ، ويعني ذلك طمأنة المسؤولين الأميركيين بأنه لن تكون هناك مفاجآت سياسية في الأسابيع المقبلة، وأن الحملة الانتخابية لن تتسبب في بداية سيّئة للعلاقات الثنائية.
تتجه إسرائيل نحو انتخاباتها الرابعة خلال عامين لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع بيني غانتس أثبتا عدم قدرتهما على الحفاظ على التماسك الكبير لائتلافهما، وبموجب القانون، فإن الحكومة التي لا تستطيع وضع ميزانية بحلول نهاية السنة التقويمية تتجه تلقائياً إلى الانتخابات بعد تسعين يوماً، أي 23 مارس في هذه الحالة، وقد هُزِم التصويت في «الكنيست» لتأجيل هذه الآلية بفارق ضئيل في جلسة للبرلمان الإسرائيلي عُقدت في وقت متأخر من ليل 21 ديسمبر، مما يمثل انتكاسة لنتنياهو والتفكك المحتمل للحزب الوسطي «أزرق-أبيض» برئاسة غانتس.

أسباب الانهيار؟

دخلَ غانتس إلى الحكومة في مايو في ظل ظروف وطنية ملحّة، من بينها ثلاث جولات غير حاسمة من الانتخابات والوباء المستشري، ومع ذلك، أدت التدابير التي اتخذها لتوحيد الجهود مع نتنياهو إلى انقسام ائتلاف «أزرق أبيض»، الذي استند تشكيله في عام 2019 على الإطاحة برئيس الوزراء العالق في المأزق.

علاوة على ذلك، أثبت الائتلاف الكبير الناتج عن ذلك أنه أحد أكثر الائتلافات انقساماً في التاريخ الحديث، مع انزعاج نتنياهو الواضح من مشاركة السلطة مع غانتس في رئاسة الوزراء الدورية، وبالنظر إلى التفاوت التشريعي بين معسكره («حزب الليكود» بالإضافة إلى الأحزاب الأرثودكسية المتطرفة الموالية له، بإجمالي 52 مقعداً في الكنيست) ومعسكر غانتس (ائتلاف «أزرق-أبيض» بالإضافة إلى أحزاب وسطية صغيرة متنوعة، بإجمالي 19 مقعداً)، لم يتخلَّ نتنياهو قط عن احتمال إنقاذ نفسه من اتفاق التناوب وفرض عزلٍ برلمانيٍّ عن محاكماته المتعلقة بالفساد.

ومن المفارقات أن الامتناع عن إقرار الميزانية من أجل الحث على إجراء انتخابات كانت تحديداً استراتيجية نتنياهو حتّى الشهر الحالي، وتغيرت هذه الحسابات على ما يبدو قبل أسبوعَين، عندما انشقّ عضو «الكنيست» جدعون ساعر الذي يتمتع بشعبية كبيرة عن «حزب الليكود» ليبدأ حزباً جديداً ويتحدى نتنياهو، مما أدى إلى انخفاض في أرقام الاستطلاعات لرئيس الوزراء، ولكن بدلاً من تغيير المسار وتقديم الميزانية، ضاعف نتنياهو أساليب الضغط التي يمارسها، فبعد رؤيته أرقام الاستطلاعات المتدنية لغانتس، اعتقد على ما يبدو أنّ بإمكانه انتزاع تنازلات من شريكه في الائتلاف لتجنب الانتخابات التي قد تعرّض كلا الساسييْن للخطر، ومع ذلك، بالغ نتنياهو قليلاً، وحاول تقييد صلاحيات وزير العدل (آفي نيسنكورن، المسؤول من قبل ائتلاف أزرق-أبيض) واحتكار الترشيحات القانونية والقضائية المستقبلية، وقد وضع ذلك غانتس في موقف صعب للغاية بالنظر إلى التزام حزبه باستقلال القضاء. كما نشر نتنياهو كلمة مفادها أن غانتس سيتنازل عن هذا المبدأ من أجل ضمان تناوبه على رئاسة الوزراء في نوفمبر المقبل كما تم الاتفاق عليه مسبقاً، مما دفع ثلاثة أعضاء متأرجحين من ائتلاف «أزرق-أبيض» إلى اختيار انتخابات جديدة بدلاً من ذلك.

ويرجع الضعف المستمر لمكانة غانتس منذ مايو في جزء كبير منه إلى نتنياهو، الذي أبقى شريكه في الائتلاف على هامش الإنجازات الشعبية مثل «اتفاقات أبراهام» ولقاح «كوفيد19»، ونتيجة لذلك، كان غانتس ضعيفا جداً من الناحية السياسية لكي يتفادى الانهيار حتى داخل حزبه، فقد لا يتمكن هو ووزير الخارجية غابي أشكنازي من الحفاظ على تماسك ائتلاف «أزرق-أبيض» في الحملة الانتخابية في مارس، وبعد فوزه بأكثر من 30 مقعداً في الانتخابات السابقة، تعكس استفتاءات الرأي العام حالياً على حصول الحزب ما بين 5-9 مقاعد، ويتطلع بعض نواب الحزب إلى الانضمام إلى قوائم انتخابية أخرى.

وقد يكون التوجّه نحو الانتخابات أمراً سيئاً لنتنياهو أيضاً، وعلى الرغم من أن سجله الحافل في مقاومة التوقعات واحتلاله الصدارة أمر لا يمكن استبعاده أبداً، فإنه من المرجح أن تجري الانتخابات في مارس في وقتٍ لا يزال فيه الاقتصاد ضعيفاً، ولم يتم بعد الشعور بفوائد التطعيم الشامل بشكل كامل، واحتفاظ ساعر على الأقل ببعض زخمه السياسي الحالي (على سبيل المثال، في 23 ديسمبر، انشق الوزير زئيف إلكين من «حزب الليكود» وانضم إلى معسكر ساعر).

خطورة ساعر

كسياسي مخضرم من «حزب الليكود»، عادة ما احتل ساعر المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي الأولية للحزب في الانتخابات العديدة الماضية، وبسبب قرارات نتنياهو، الذي يميل إلى اعتبار الشخصيات الشعبية الأخرى في»حزب الليكود» بمثابة تهديدات، انسحب ساعر من الحياة السياسية في عام 2015. ومع ذلك، عاد إلى المسرح السياسي في عام 2019 ليشكل تحدياً أولياً ضد نتنياهو، وعلى الرغم من أنه فاز بنسبة 28٪ فقط من أصوات الحزب آنذاك، فإنه كان العضو الوحيد في «حزب الليكود» الذي كانت لديه الشجاعة السياسية لخوض الانتخابات ضد رئيس الوزراء الأطول خدمة في تاريخ البلاد.

ويمثل ساعر العودة إلى «حزب الليكود» القديم، حين دافعت شخصيات بارزة مثل مناحيم بيغن وموشيه آرنس ودان مريدور عن استقلالية المؤسسات العامة في إسرائيل، ويُعرِّف ساعر هويته السياسية على أنه «مَمْلَخْتي»، ويُقصد بها بشكل فضفاض «دعم مؤسسات الدولة»، وفي المناخ السياسي الحالي- حيث يرى العديد من الإسرائيليين أن المعركة المركزية في البلاد هي بين المؤيدين لنتنياهو والمعارضين له- تشكّل الهوية التي اختارها ساعر وسيلة للدفاع عن استقلالية القضاء ضد جهود نتنياهو الرامية إلى ممارسة المزيد من النفوذ السياسي على النظام القضائي.

ويساعد ذلك في تفسير سبب إظهار استطلاعات الرأي المبكرة، أنّ ساعر، وهو سياسيٌّ يميل إلى اليمين، يحصد الأصوات على حساب «حزب الليكود» اليميني وائتلاف «أزرق-أبيض» الوسطي، ومن المتوقع حالياً أن يفوز حزبه المُنشق «الأمل الجديد» بـ16 مقعداً في حين انخفض التأييد لـ«حزب الليكود» إلى 26 مقعداً، ويمكن أن تزداد عدد المقاعد التي قد يحصل عليها ساعر إذا أضاف شخصيات رئيسة إلى قائمته الانتخابية.

ويشبه أداء حزبَين آخرَين أداء ساعر في حيازة الأصوات في استفتاءات الرأي العام، وهما: حزب «يمينا» (اليمين)، برئاسة نفتالي بينيت الذي تحوّل من حليف مقرّب لنتنياهو إلى خصمٍه، والحزب الوسطي «ييش عتيد» (هناك مستقبل)، برئاسة يائير لبيد، وقد استمرّ كلا الرجلين في التصويب على تعامل نتنياهو مع الوباء وتداعياته الاقتصادية، ومن المتوقع الآن أن يفوز حزباهما بنحو 15 مقعداً لكل حزب.

وفي ظل هذا المشهد المتغيّر، يمكن لتجمُّع من الأحزاب الوسطية واليمينية المتوسطة الحجم حيازة الأعداد اللازمة لاستبدال رئيس الوزراء، وفي أول مؤتمر صحافي عقده نتنياهو مع انهيار الحكومة، اعتبر أنّ أي منافسين يمينيين سيعتمدون على الوسط سبيلهم الوحيد للوصول إلى السلطة، مما يعني أنهم سيحتاجون إلى تشكيل ائتلاف معه. (وحتى الآن، اقترب ساعر فقط من القول بأنه لن يشغل أي منصب تحت قيادة نتنياهو)، ونظراً لتاريخ نتنياهو ومهاراته السياسية، فيمكن للمرء أن يتوقع منه أن يبحث عن مسائل فاصلة لتقسيم المعارضة، على سبيل المثال، أثناء تصويت «الكنيست» على تأجيل الانتخابات، استمال نتنياهو فصيلا إسلاميا في «القائمة المشتركة» بزعامة العرب لتأييد موقفه للمرة الأولى.

وحتى لو تكاتفت الأحزاب المتوسطة الحجم مع بعضها بعد الانتخابات، فإن تراجع ائتلاف «أزرق-أبيض» وزواله المحتمل يعني أنه لن يكون هناك حزب وسطي كبير سيقف نداً لند مع نتنياهو خلال الحملة الانتخابية، وبوجود نتنياهو بالإضافة إلى بينيت وساعر من اليمين ولبيد في الوسط فقط، من المرجح أن يكون رئيس الوزراء القادم من ذوي الميول اليمينية.

ويمكن للمرء أيضاً أن يتوقع من الجمهور أن يولي اهتماماً أقل لبعض الأحزاب اليمينية المتطرفة ذات الآراء السياسية الأكثر تشدداً من مواقف «حزب الليكود» بشأن القضايا الفلسطينية، خصوصا مع قيام نتنياهو بترويج اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها حكومته مع أربع دول عربية، وفي الواقع، قد يسعى هو ووزراؤه إلى زيارة هذه البلدان- الإمارات والبحرين والسودان والمغرب- خلال موسم الحملة الانتخابية ودعوة شخصياتها المرموقة إلى القدس. وبالمثل، تُفيد بعض التقارير أن مصر تنظر في ما إذا كانت ستوجّه دعوة لنتنياهو للقيام بزيارته الرسمية الأولى إلى القاهرة، وذلك جزئياً على أمل تجنب التدقيق من قبل الكونغرس الأميركي في ظل إدارة بايدن، ومع ذلك، قد تغيّر الدول العربية نظرتها إلى مثل هذه الرحلات الآن حيث توشك حملة انتخابات إسرائيلية على البدء.

مستقبل علاقات بايدن مع نتنياهو

تستمهل الانتخابات الإسرائيلية الرابعة جهود إدارة بايدن لتصنيف سياساته المستقبلية تجاه إسرائيل، وعلى الرغم من أنّ هذه المهلة قد تكون مؤاتية نظراً إلى تعدد الأمور الملحّة على جدول أعمال بايدن، فإنها قد تعقّد الأمور أيضاً.

ومن جهتها، سعت الولايات المتحدة إلى استعادة العلاقات مع الفلسطينيين منذ تعليقها في عام 2017، وإذا سرّع فريق بايدن هذا المسعى، فسترغب إسرائيل في المشاركة فيه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ستؤدي الانتخابات الإسرائيلية المقبلة إلى إبطاء سير الأمور؟

وهناك عامل آخر من المحتمل أن يزيد الأمور تعقيداً، وهو ما يمثله بايدن لنتنياهو على المستوى الشخصي مقابل المستوى السياسي، وقد أشاد كلا الزعيمين علناً بصداقتهما الشخصية، وسيكون لكل منهما مصلحة في تجنب العلاقات الدبلوماسية الباردة نوعاً ما التي كانت سارية في بداية إدارة أوباما في عام 2009، ولنتنياهو أيضاً مصلحة في أن يظهر للناخبين أنه يستطيع العمل مع رئيس أميركي ديمقراطي، طالما أنه يفهم أن بايدن ليس ترامب ولا أوباما عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، كان تركيز نتنياهو خلال معظم الانتخابات (السابقة) على تجنب أن يكون مطوّقاً من قبل اليمين. لذلك، يتساءل المرء عما إذا كان سيدلي بتصريحات حول إيران أو ضم المستوطنات خلال الحملة الانتخابية، أو حتى إذا كان سيوافق على النشاط الاستيطاني خارج الجدار الأمني في الضفة الغربية، والتي يمكن أن يثير أي منها رد فعل من قبل إدارة بايدن. والآن على الأقل، لا يواجه نتنياهو أي ضغط حقيقي من ساعر وبينيت بشأن هذه القضايا، ومن المرجح أن تركز الحملات الانتخابية لهذين السياسيين على التعافي الاقتصادي من «كوفيد19» واستقلال المؤسسات الإسرائيلية.

ومهما كانت خطط نتنياهو، من الأفضل أن يُبلغ بايدن بهدوء قبل «يوم تنصيب» الرئيس الأميركي بأنه يريد إبقاء العلاقات مع الولايات المتحدة على مستوى عالٍ، ويعني ذلك طمأنة المسؤولين الأميركيين بأنه لن تكون هناك مفاجآت سياسية في الأسابيع المقبلة، وأن الحملة الانتخابية لن تتسبب في بداية سيّئة للعلاقات الثنائية.

ديفيد ماكوفسكي- واشنطن إنستيتوت

نتنياهو لا يواجه ضغطا حقيقيا من ساعر وبينيت بشأن إيران والمستوطنات ومن المرجح أن تركز حملاتهما الانتخابية على التعافي الاقتصادي واستقلال المؤسسات الإسرائيلية

كسياسي مخضرم من "حزب الليكود" عادة ما احتل ساعر المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي الأولية للحزب في الانتخابات العديدة الماضية
back to top