2020... مقدمة لعصر مظلم جديد أم بداية التجديد؟

نشر في 31-12-2020
آخر تحديث 31-12-2020 | 00:05
No Image Caption
كان 2020، بكل المقاييس عاماً مروعاً، إذ انتشرت خلاله حالات الموت والاضطراب في جميع أنحاء العالم. ولكن إذا كان هذا يمثل تحدياً حقيقياً لايمكن إنكاره في الوقت الحالي، فكيف قد يبدو للمؤرخين إذا نظروا إلى الوراء لنصف قرن من الآن؟

ومن المؤكد أن أحداث عام 2020 ستلقي بظلالها على الجهود المستقبلية لتتبع مسار أحداث القرن الـ21، الذي ربما يكون العام الذي بدأ فيه النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة ينهار، أو ربما يكون العام الذي شهد بعث حياة جديدة، حسب هال براندز، الحاصل على درجة الدكتوراة من "جامعة ييل" الأميركية.

ومن السهل تخيل الطريقة التي سينظر بها المؤرخون في يوم ما لعام 2020 على أنه بمنزلة "بداية لعصر مظلم جديد". ففي غضون بضعة أشهر، تسببت صدمات استراتيجية تحدث مرة كل قرن، في ترنح العالم في مساره.

وأودت جائحة عالمية بحياة الملايين وأصابت بالجمود مجتمعات في قارات عدة، وشهد العالم انهياراً قوياً للعولمة من خلال إغلاق الحدود وتوقف السفر فعلياً، بينما عجزت الهيئات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، عن تقديم الكفاءة التكنوقراطية وتحقيق التعاون العالمي.

وعلى الجبهة الجيوسياسية، شنت الصين، هجوماً على عدة جبهات مما يثبت أنها لم تعد قنوعة بإخفاء قدراتها وتتربص لاقتناص الفرص لتحقيق مكاسب.

إضافة إلى ذلك، فإن ما جعل عام 2020 صادماً بشدة هو أنه جاء عقب عقد مؤلم جداً، إذ تراجعت الديمقراطية عن موقع صدارة مشهد حقبة ما بعد الحرب الباردة، وشهدت انحساراً في عدة أماكن.

وقال براندز، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وارتفاع الشعبوية شكل تهديداً للتكامل الأوروبي، وتابع أن العولمة واجهت رياحاً عاتية في المشهدين السياسي والجيوسياسي، إذ أصاب الجمود منظمة التجارة العالمية، وزاد صعود الصين الاقتصادي على نحو ينذر بمزيد من الشؤم، وأصبحت أميركا مؤيدة على نحو يكتنفه الغموض للتجارة الحرة.

فمن هذا المنظور، ووفقا لبراندز، فإن الصدمات التي تسبب فيها عام 2020 لم تكن مجرد صدمات غير متوقعة. كانت أزمات كشفت انتشار العفن داخل المؤسسات والترتيبات التي أسست النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة.

وحقبة سبعينيات القرن الماضي، على سبيل المثال، بدت في كثير من الأحيان وكأنها نهاية المطاف بالنسبة للقوة الأميركية واقتصاد العالم الحر، وسط صدمات النفط، ونهاية نظام بريتون وودز المالي، وانتكاسات جيوسياسية كانت بمنزلة عقاب. ومع ذلك، أدت الأزمات إلى الارتقاء وليس إلى السقوط.

وشنّت الولايات المتحدة بسرعة هجوماً جيوسياسياً مضاداً مدمراً ضد الاتحاد السوفياتي الذي كان متمدداً على نحو مفرط، وتعاونت مع الحلفاء الرئيسيين لإنشاء مؤسسات جديدة، مثل مجموعة السبع G7، لتسهيل التحول إلى نظام أكثر عولمة، وتبنت الدول عبر الغرب إصلاحات مؤيدة للسوق أدت إلى ازدهار متجدد.

ووفقاً لبراندز"كنتيجة لذلك، فإننا ننظر الآن إلى عام 1979، وهو العام المروع الذي شهد اندلاع الثورة الإيرانية، والغزو السوفياتي لأفغانستان، وركوداً عالمياً كان بمنزلة عقاب، وإن كان مؤشراً لبداية جديدة للنفوذ الأميركي. وربما سيكون عام 2020 لحظة ميلاد عصر جديد".

وكان هذا العام بعد كل شيء، هو العام الذي قام فيه النظام السياسي الأميركي بتصحيح نفسه بعد مغازلة خطيرة مع الشعبوية شبه الاستبدادية لتيار اليمين، بينما رفض أيضاً شعبوية اليسار التي تزعزع الاستقرار.

وشهد هذا العام جهودا، بقيادة الحلفاء الأميركيين، لبدء إصلاح المنظمات الدولية المحتضرة ووضع آليات جديدة، مثل توسيع G7، من اجل تحقيق تعاون ديمقراطي أعمق وأوسع نطاقاً.

وأوضح براندز أنه ظهر أيضاً حذر جديد من القوة الصينية، ليس في أميركا فحسب، ولكن في أوروبا والديمقراطيات المتقدمة الأخرى أيضاً، ولم تنته حقبة ترامب فقط بقطيعة عبر المحيط الأطلسي بسبب الصين، ولكن بمناقشات أولية تتعلق بكيفية التعاون بشكل وثيق لمواجهة التهديد الذي تشكله بكين.

كما أدى مرض "كوفيد 19"، الذي يسببه فيروس "كورونا" المستجد، إلى تسريع وتيرة الجهود للتحول إلى نمط أكثر ذكاءً للعولمة من منظور جيوسياسي، وهو نمط لا تسعى فيه الدول الديمقراطية إلى إعادة عمليات الإنتاج التي كانت قد نقلتها للخارج إلى اراضيها ولكن ببساطة إلى اخراج سلاسل الإمداد الهامة من الأنظمة الاستبدادية المعادية المحتملة.

ويختم براندز: "سواء كان خيراً أو شراً، سننظر إلى عام 2020 باعتباره مرحلة مفصلية في التاريخ، فهو العام الذي أرسل موجات صدمة من خلال النظام القائم وبالتالي غير شكل العالم على المدى الطويل. وهذه الأزمات الشديدة يمكن أن تدفع النظام العالمي نحو الدمار أو التجديد، لكنها بالكاد يمكن أن تفشل في ترك بصمة دائمة".

back to top