الحروب وفلسفة كانط... ومرتزقة الثقافة!

نشر في 29-12-2020
آخر تحديث 29-12-2020 | 00:19
 د.نجم عبدالكريم عندما تنشب الحروب في أي بقعة من بقاع الأرض -على امتداد التاريخ- فلابد من ظهور أُناسٍ يتصدون لاستمرارها، وغالباً ما يكون هؤلاء ممن يحملون مبادئ وأفكاراً مُشبعةً بالروح الإنسانية، ولستُ هنا بصدد ذكر تلك الحروب، ومن كان يتصدى لها، ولكنني سأقف وقفة قصيرة أمام أحد عمالقة الفلسفة الإنسانية: عمانؤيل كانط.

***

الفيلسوف كانط عاش ما بين 1724 و1804، ومعظم الذين أرّخوا له يعتبرونه فيلسوف السلام، وهناك من يصنفه بفيلسوف جميع العصور، لما تحمله فلسفته من دعواتٍ إنسانية، وتنادي بالأخوة بين البشر.

ومما تنبأ به كانط أن العالم سينقسم إلى قوى كبيرة، وقوى صغيرة، وأن الكبيرة منها ستفرض هيمنتها وتسيطر على الصغيرة، وشبهها بالحيتان الضخمة، التي ستبتلع الأسماك الصغيرة، ومن هذا التشبيه استنتج الفيلسوف أن الحروب لن تنتهي في العالم ما لم يكن هناك تفكير يؤدي إلى تخطيط يشمل كل سكان المعمورة، ما أطلق عليه "السلم الموضوعي" لجميع الأمم والشعوب، عن طريق ما أسماه "الإدراك"، أو "الفهم"، أو "التفهم"، وبالتالي فإنه ينبغي على أمم العالم أن تتوصل إلى صيغة فدرالية تجمعها تحت نظامٍ واحد، لأن الحاجة الملحّة لخلق السلام تفرض على الإنسان أن يحقق لنفسه القضاء على النزاعات التي تؤدي إلى كوارث الحروب.

***

هناك كثيرون من الفلاسفة المعاصرين ممن تبنّوا الدعوات الإنسانية، ومناهضة الحروب، وفي مقدمتهم برتراند راسل، وجون بول سارتر، وغيرهما، مُذكرين في معظم معطياتهما الأدبية والفكرية، بالدمار المأساوي، وبالكوارث التي حلّت بالبشرية من جراء الحروب التي عاصروها، وإذا كان الفيلسوف كانط قد دعا إلى فدرالية تجمع العائلة الإنسانية فوق هذا الكوكب، فإن راسل قد طرح هذا السؤال: "هل تعلمون لماذا لا تستطيع الأمم المتحدة أن تعمل على تحقيق الفدرالية العالمية الإنسانية التي دعا إليها كانط؟ لأن الدول المنضوية الآن تحت سقف الأمم المتحدة لم تُشكل هذه المنظمة العالمية بشكل طوعي على قاعدة المساواة بين الدول، وخير مثال على ذلك أن درجة التسلح النووي هي التي حددت أعضاء مجلس الأمن. إذن فإن عالم الحرب هو الذي اصطفى هذا الفرز، الذي تقوم عليه قاعدة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، فعصبة الأمم، التي أنشئت عقب الحروب، لن تتمكن من حماية العالم من دمار الحروب".

• وهذا ما دفع بالفيلسوف راسل إلى أن ينشئ محكمة لمحاكمة الرئيس الأميركي لندن جونسون أثناء حرب فيتنام في الستينيات، فالنزاعات والحروب بقيت مستمرة، لأن الأمم المتحدة تحت سيطرة الدول العظمى، التي تؤجج الحروب كي لا تتوقف فيها مصانع تجارة السلاح.

***

قبل أن أختم المقال تتنازعني الرغبة في الإتيان على الحروب التي تستعر نيرانها في وطني العربي، والتي لم تتوقف منذ العقود التي أدركت فيها الحياة، إلى أن تجاوزت الثمانين من العمر، ولكنني بحثت عمن كانوا يتصدون لها، وللأسف وجدت أن مرتزقة الثقافة في وطني العربي كانوا يصبّون الزيت على النار، لتأجيج الحروب بين أشقائهم في الوطن، والدين، والإنسانية، مثلما فعلوا أثناء غزو صدام للكويت.

وكذلك هي مواقفهم في الكثير من الحروب الدائرة، حتى كتابة هذه السطور!

back to top