كفيت ووفيت

نشر في 24-12-2020
آخر تحديث 24-12-2020 | 00:19
 حسن العيسى ليتنا نزيح قليلاً عن أدمغتنا حكاية تخليد ذكرى الأشخاص بشارع رئيسي لا نعرف ماذا قدَّم صاحبه لتاريخ وطنه، أو نسمي منطقة سكنية متى كان الراحل من أبناء الأسرة الحاكمة.

الشيخ ناصر حفر اسمه في ضمائر الكويتيين الوطنيين، مثلما كان خنجراً مغروساً في خاصرة كبار الفاسدين الذين خانوا الأمانة وعاثوا فساداً في الأرض.

إذا كنتم تريدون أن تخلدوا ذكرى ناصر فحققوا حلمه الكبير في فضح ومعاقبة أئمة الفساد الذين مازالوا إما في أماكنهم العالية، أو فرضت من أجلهم حصانات من الملاحقة الواقعية، وضربت حولهم حلقة من ممارسة مريضة بإبعادهم عن سيف القانون والعدالة.

إذا كنتم تريدون تحقيق أمل الراحل، فليعمل "أهل البخاصة" إن كانوا جادين في تغيير النهج السياسي، ليحاولوا تحقيق حلم ناصر في الإصلاح السياسي والاقتصادي، ليعملوا على قبر قلقنا من المستقبل الذي أصبح حاضراً، ويعيدوا الروح لمشروع كويت 2035، وفتح البلد في دنيا الاستثمار والسياحة، وتوفير فرص عمل للقادمين لسوق العمل. افتحوا شبابيك البلد، ليدخل نور الأمل للقادم.

أيضاً، نذكِّر مَنْ قالوا في رثائه عن العُمر السياسي "القصير" للشيخ ناصر! لم يكن نضاله السياسي قصيراً، أبداً. كان ناصر أحد أهم نجوم وثيقة الإصلاح من شباب الأسرة بعد التحرير، والتقى، بعد التحرير مباشرة، رموز الحركة الوطنية، مثل: النائب السابق عبدالله النيباري- شفاه الله- والزميل الصديق أحمد الديين، وعدد من الشباب المخلصين الذين كوَّنوا فيما بعد نواة "المنبر الديمقراطي"، وتوافق معهم في معظم تطلعاتهم الوطنية الإصلاحية، ونشر في مجلة الزمن التي كان ناشرها، مقالاً نارياً بعنوان "سيدي سرحهم وتوكل" سبَّب الكثير من التبرم والضيق عليه من مقربين له.

يقول البعض لماذا لم يصلح ناصر الكثير من الأمور المعوجة حين كان، لفترة طويلة، مسؤولاً في الديوان؟! ولماذا كان "يزعل" ويسافر؟! ما رأيكم لو تم تقييدكم بسلاسل من الحديد على أقدامكم، وقيل لكم تحركوا كما تريدون؟! هذا ما حدث للشيخ ناصر. خذوا مثالاً لهذا حين رفض مرة عرض شراء ميداليات للديوان الأميري بسعر رأى ناصر أنه مبالغ فيه، عرضه المرحوم نبيل الفضل، فكتب ضده عدة مقالات تهاجم شخص ناصر وتنقده أمرّ النقد. كان هناك ضوء أخضر مفتوح للنقد والهجوم على شخصه، حتى بقضية بسيطة مثل تلك، قيدت يد ناصر حتى من الرد عليها، كيف له أن يشتغل للإصلاح؟!

بقية الحكاية تعرفون كيف انتهت، حين كشف ناصر قليلاً من جبل ثلج الفساد العائم في خليجنا الملوث، بعد أن أصبح نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع. أي جزاء وأي مكافـأة مجزية حصل عليها عرفاناً له؟! أليس هناك أكثر من ذلك الظلم لحقه في كل محاولاته، أم هذا أمر جديد في العادة الراسخة هنا لكل مَنْ يحاول فضح ملفات الفساد في وطننا... لماذا؟!

ليس الراحل "ناصر" كشخص محور حديث المرثية فقط، وإنما المعنى والرمزية له هما المقصودان لكل مَنْ يتجرأ على تعديل المسار المنحرف، ويجنب البلد الانجراف نحو الهاوية، احفروا في عقولكم أنه يستحيل أن نصلح الـمـؤسسات الرسمية والأهلية في الدولة التي أضحت تسير في ركاب القوى المهيمنة تاريخياً بالدولة، فتلك المؤسسات لا تتعدل من تلقاء ذاتها، وإنما بتغيير ثقافة البلد الريعية الفاسدة، تلك "المؤسسات" الدستورية والقانونية لا تتعدل مسيرتها بقوى ذاتية منها، وإنما عبر "أفراد" بشر مصلحين مخلصين يقودون العمل فيها، ويؤمنون حقاً بحكم القانون. هي المؤسسات المستقلة التي من الطبيعي يمكن المراهنة عليها، لكن هذه المؤسسات مجرد خيال قانوني، يصلح أمرها، في النهاية، أفرادها القياديون متى خلصت نواياهم، وأضحوا قدوة لغيرهم من العاملين فيها. ارتح أيها الصديق في قبرك، فقد كفيت ووفيت.

حسن العيسى

back to top