جورج بت

نشر في 03-12-2020
آخر تحديث 03-12-2020 | 00:19
 حسن العيسى عدد العمالة المنزلية في الكويت يقارب 750 ألفاً، يعني أن لكل كويتي هنالك ¾ أرباع عامل، هؤلاء "البروليتاريا الرثة" الذين نسميهم "خدم"، بصراحة هؤلاء هم "بابا وماما وكل حاجة بحياتي"، كما علمتنا حكمة فيروز الصغيرة، هؤلاء الثلاثة أرباع مليون لا يوجد لهم تشريع متكامل، كما هو الحال بقطاع العمل في الخاص، عدا نصوص قانون رقم 68 لسنة 2015، الذي لا يشبع ولا يغني من جوع، حتى أولئك العمال بضمانات قانون العمل لا يوفر التشريع وبيروقراطية رفع الدعوى العمالية ضمانات كافية لأبسط حقوقهم حتى ينالوها، طالما ظل نظام الكفيل قائماً، وهو أبشع وجه لسرطان الريع الحاكم بدولنا. بعد العمالة المنزلية (العمالة الخصوصية) هناك تجار الجملة والإنشاءات، ثم خدمات العقارات وإدارة الأعمال، وهكذا كل هؤلاء يشكلون الأغلبية العددية بالدولة، هم ثلاثة ملايين تقريباً، ونحن أكثر من المليون، ورغم ذلك تأتي اللعنات وعمليات نقل الغضب والإحباط على الوافدين- أستثني بعض الوافدين الخبراء أصحاب الرواتب العالية الذين يفصّلون الرأي السلطوي حسب المقاس كما تطلبه السلطة المتعسفة، كنظام الصوت مثلاً، وهؤلاء الخبراء ليسوا نبتة شيطانية، بل زرعهم أهل البخاصة في الحكم.

فكِّروا بالتأثير المدمر للعمل والإنتاج والاعتماد على الذات وتربية الأطفال، وتكلفة هؤلاء المساكين من العمالة الخصوصية على اقتصاد الخيبة. بالتأكيد هناك عوائل ككبار السن وغيرهم لا يمكنها الاستغناء عن هؤلاء العمال لمساعدتهم في حيواتهم اليومية، لكن ماذا عن شعب "جورج بت put"، يعني انجب أو ضع الغدا؟! أيضاً، وهذا الأخطر، نحن "البرجوازية المتوسطة" شيدنا بيوتنا كقلاع كبيرة من منتصف ستينيات القرن الماضي، ليس لحاجتنا الأساسية إلى الستر والخصوصية، بل للمظاهر التافهة، ولكي نوفر ضرورة العمالة المنزلية حتى يصبح أبسط واحد هارون الرشيد زمانه، ولو كان شارياً سيارته بالأقساط. تأملوا كم يكلف هؤلاء اقتصادكم كرعايا بالدولة واقتصادكم الخاص... مأكل، مشرب، سكن، راتب، إجازة براتب.

داود مساعد الصالح، رحمه الله، فكر حين كان محافظاً لحولي، بعد التحرير مباشرة، في إنشاء شركات توفر العمالة الخاصة للعمل بنظام الساعة، وغلق باب العمالة المنزلية، وبالتالي سينهي هذا بالتدريج نظام الكفالة الخاصة بالعمالة المنزلية، فهنا العامل المنزلي يخضع لرب العمل صاحب الشركة، وهنا تقرر ضمانات للعامل، ونوفر الكثير من المال على مدرسة "جورج بت". لم يكتب لاقتراح داود النجاح، وكان، بالمناسبة، اقترح أيضاً إقامة مهرجانات استعراضية بحولي لإدخال البهجة على نفوس الكويتيين بعد التحرير، فهوت على داود الانتقادات واللعنات من حزب عاقدي الجبين المحافظين... وكالعادة الحكومة ذلك الوقت، وحتى غدا الأسود تمشي مع المايه. وانتهت حكاية داود، وبقيت مصاريف "جورج بت" تستنزف من أشلاء اقتصاد مدمَّر، دمرته المظهرية وقصر النظر والكسل ونهم الاستهلاك... ودقي يا ساعة دقي.

back to top