رياح وأوتاد: أول أولويات الحكومة أن تكسب ثقة الشعب... وعيوب قرار الستين

نشر في 30-11-2020
آخر تحديث 30-11-2020 | 00:10
على الحكومة القادمة أن تكون أمينة وحصيفة في جميع قراراتها ومشاريعها وأهدافها، وأن تعترف أن أول أولوياتها هو أن تكون صادقة وواضحة مع الناس، وأن تكسب ثقتهم في أعمالها وبرامجها، والتحدي الأكبر هو أن تحولهم إلى مؤيدين لها، وبالتأكيد لن تكون هذه مهمة سهلة أو ميسرة.
 أحمد يعقوب باقر * يجب أن تكون الأولوية القصوى للحكومة القادمة هي استعادة ثقة الشعب التي فُقدت، وهذه ليست مبالغة مني والعياذ بالله، ولكن الحكومة لو تأملت بأمانة الآراء والأحداث والمشاهدات الظاهرة التي تطز العين (حسب المثل الكويتي) لتبينت أن الثقة الشعبية فيها ضعيفة إلى درجة خطيرة، فمن هذه الظواهر مثلاً أن يصف معظم المرشحين أنفسهم أنهم من المعارضة للحكومة لكي يحصلوا على مراكز متقدمة في الانتخابات! ومنها أن يصور وينشر بعض المرشحين صوراً وأفلام فيديو لمكاتبهم وسراديبهم لإغراء الناخبين بتخليص معاملاتهم فيها!

ومن المشاهدات أيضاً تلك الردود القاسية التي تتداولها الغالبية من الناس ويتناولها المرشحون والناخبون ضد أطروحات الحكومة المتعلقة بالعجز والإصلاح الاقتصادي التي لا تكاد تجد مصدقاً لها بسبب حجم الإنفاق الحكومي والتقصير في خلق الإيرادات غير النفطية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ضوابط الحكومة في التعيينات القيادية، فهي محل تندر وهجوم في الدواوين ووسائل الاتصال بسبب التعيينات البراشوتية واكتشاف عمليات فساد كبيرة تمت بأيدي قياديين حكوميين.

وبالمثل يتحدث الشعب الكويتي عن وزير ألغى أكثر من 150 قراراً اتخذها وزير زميل له في الحكومة، ويتساءلون عن مصير ذلك النص الدستوري الذي منع رئيس الوزراء من تولي أي حقيبة وزارية لكي يحقق رقابة ذاتية على الوزارات، فأين ذهبت هذه الرقابة؟

كما يتحدث الناس باستغراب عن شراء طائرات خاصة بملايين الدنانير وعن هبات تقدم إلى بعض الدول في خضم التخويف الحكومي من العجز المالي وعدم القدرة على دفع الرواتب إلا بالاقتراض أو تسييل احتياطي الأجيال القادمة.

لذلك على الحكومة القادمة أن تكون أمينة وحصيفة في جميع قراراتها ومشاريعها وأهدافها، وأن تعترف أن أول أولوياتها هو أن تكون صادقة وواضحة مع الناس، وأن تكسب ثقتهم في أعمالها وبرامجها، والتحدي الأكبر هو أن تحولهم إلى مؤيدين لها، وبالتأكيد لن تكون هذه مهمة سهلة أو ميسرة لأن استعادة المصداقية يحتاج إلى سلسلة من الأعمال الصحيحة والإجراءات المدروسة والفعالة، وإلى إعلام مُقنع يخاطب الجماهير بالأرقام والحقائق ويرد على الأخبار والشبهات التي تُحقن في عروق وسائل الإعلام يومياً.

وأول خطوة للحكومة في إثبات مصداقيتها هي أن تضع قواعد عامة مجردة للتعيين والترقية والوظائف القيادية لاختيار الكفاءات وتحقق العدالة في الحيازات والأراضي الحرفية والزراعية وغيرها، وهذه القواعد يجب أن تكون عامة لكل الجهات الحكومية، وليس فيها أي استثناء لأي وزير أو نائب، وخالية من الواسطة أو المحسوبية، وأن يُعمل رئيس الوزراء سلطته في الرقابة على أداء الوزراء بشأنها.

ولكي تقنع الحكومة النواب والشعب بعدم الموافقة على الاقتراحات الشعبوية الاستنزافية عليها أن تبادر قبل غيرها إلى حرب الفساد والتنفيع والتربح، وأن تكافح الهدر وتنشر التقشف في جميع الأجهزة الحكومية ابتداء من مميزات الكبار والرواتب والمصروفات الفلكية وأن تكون جميع أوجه الصرف الحكومية معلنة بدقة ومبررة.

ولكي يقتنع الصغار ومتوسطو الدخل بالمساهمة في إيرادات الدولة يجب أن تسارع الحكومة إلى إصلاح قانون المناقصات لكي يستفيد كل الكويتيين من المناقصات المليارية، وأن يكون للحكومة موقف واضح بمطالبة الكبار بالمساهمة قبل غيرهم حتى تكون هي ويكونوا هم القدوة لغيرهم، وذلك وفقاً للشريعة الإسلامية، وكما هو معمول في جميع أمم الأرض المتقدمة، وكذلك يجب أن تكون الحكومة سباقة في حماية أملاك الدولة وتعظيم العائد منها للميزانية العامة.

وفي سبيل المصداقية أيضاً يجب أن يكون للحكومة موقف عملي واضح تجاه تفتيت الكويت الذي يجري على قدم وساق بمعاول الطائفية والقبلية والكيانات والولاءات الأخرى.

ختاماً فإن استمرار الوضع الحكومي الشعبي على هذه الحالة من التناقض وعدم التصديق واختلال الإنجاز والمزايدات الضارة لا يجوز ولا يمكن الاستمرار فيه، وسيكون له عواقب وخيمة في المستقبل إذا لم تتداركه السلطة الفعلية لا الحكومة فقط، وعلى وجه السرعة.

* من أعجب القرارات الحكومية غير المدروسة التي صدرت مؤخراً قرار مغادرة من وصل من الوافدين العاملين في القطاع الخاص إلى سن الستين عاماً.

هذا القرار لم يُبنَ على السجل الأمني للوافد ولا على علاقته بصاحب العمل ولا على خبرته في عمله أو علاقاته بالكويتيين من أرحام أو أصدقاء أو طول إقامته وسداد التزاماته الصحية وغيرها، إنما بُني على شيء واحد وهو العمر! فيا له من قرار يحمل فهماً قاصراً لتعديل التركيبة السكانية لأن استبدال شباب الوافدين بكبار السن منهم لن يؤدي إلى تعديل هذه التركيبة.

والصحيح أن على الجهات المختصة ألا تجدد الإقامة لكل من يخل بالتزاماته أو لا يسدد الرسوم المفروضة أو الذي لا يوافق صاحب العمل على إقامته أو بسبب قيد أمني عليه، أو بسبب وجود كويتي ليحل مكانه في العمل، ولا دخل للعمر في ذلك، بالإضافة إلى إرباك أصحاب الأعمال والجهات الحكومية المسؤولة عن القطاع الخاص بسبب كثرة التغيير والتبديل، بل إن من حسُنت إقامته وكوّن علاقات طيبة مع الكويتيين وأجاد عمله وخبرته هو المطلوب لدى أصحاب العمل الخاص، وبالتأكيد أيضاً فإن هذا القرار لن يؤدي إلى تعيين الكويتيين، وهو الأمر الذي صدرت بشأنه قوانين لم يتم تنفيذها حتى الآن، ولكنه سيؤدي إلى إحلال شباب الوافدين محل كبار السن الوافدين، يعني "لا طبنا ولا غدا الشر".

من أعجب القرارات الحكومية غير المدروسة قرار مغادرة من بلغ من الوافدين العاملين في القطاع الخاص سن الستين عاماً
back to top