أوروبا والصين تمسكان بزمام العمل المناخي

نشر في 24-11-2020
آخر تحديث 24-11-2020 | 00:07
يدرك الاتحاد الأوروبي والصين أن واقع تغير المناخ يجعل التحول الاقتصادي أمراً لا مفر منه، وأن من يتحرك أولاً سيحظى بميزة تنافسية كبرى لعقود قادمة من الزمن.
 بروجيكت سنديكيت في غضون أسبوع واحد فقط أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، ألقى ممثلو أكبر سوق منفرد في العالم وثاني أكبر اقتصاد في العالم كل أوراقهم على الطاولة، يجب ألا يكون المرء محللا استخباراتيا وطنيا بالضرورة لكي يتمكن من تحليل النتائج: فقد التزم كل من الاتحاد الأوروبي والصين بتحقيق هدف خفض صافي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون إلى الصِـفر، وبالتالي خلق أرضية مشتركة لتعاون أشد عمقا.

من المؤكد أن هذه الالتزامات يجب أن تكون مدعومة بسياسات ملموسة، لكن حتى الكلمات تحمل قدرا كبيرا من القوة، إذ لا يُـعـرَف الرئيس الصيني شين جي بينغ ولا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالغلو أو المبالغة أو الإدلاء بتصريحات كبرى دون مداولات مسبقة، وإذا حدد الطرفان هدفا ملموسا، فإن هذا يعني أن لديهما تصوراً ما لكيفية التوصل إليه.

علاوة على ذلك، ليس الأمر كما لو أنه سيكون من السهل أن تتفق بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين على هدف أكثر طموحا لعام 2030 يتماشى مع التزامها بتحقيق هدف بلوغ صافي الانبعاثات (صِـفرا) بحلول عام 2050، إذ يدرك قادة أوروبا تمام الإدراك المصالح المكتسبة العديدة التي تعد العدة لمعارضة الهدف الجديد، وليس من السهل على القيادة الصينية أن تعلن أنها تعتزم الوصول إلى ذروة الانبعاثات قبل عام 2030 وتحقيق هدف حياد الكربون بحلول عام 2060.

إن إعادة توجيه اقتصاد بحجم الاقتصاد الصيني ليست بالمهمة اليسيرة، ومع ذلك، تدرك كلا القوتين أن واقع تغير المناخ يجعل التحول الاقتصادي أمر لا مفر منه، وأن من يتحرك أولا سيحظى بميزة تنافسية كبرى لعقود قادمة من الزمن.

إن إجراء إصلاح شامل لأي اقتصاد بالسرعة اللازمة لخفض الانبعاثات على المستوى الوطني بما يتماشى مع اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 مهمة غير مسبوقة على الإطلاق، وستتطلب قيادة موزعة قوية من ذلك النوع الذي بدأ يظهر بالفعل. فقد بدأت بلدان، ومناطق، ومدن، وشركات ومؤسسات مالية كبرى تحدد أهداف الصِـفر الصافي من تلقاء ذاتها. بعد مرور خمس سنوات منذ أُبـرِم اتفاق باريس، تشير هذه الالتزامات إلى أن كتلة حرجة أصبحت في طور البناء. ويدرك القادة الصينيون والأوروبيون أن هذه هي اللحظة المناسبة للمضي قدما في تنفيذ خطط عمل ملموسة وتفصيلية.

لا وجود لما يمكن اعتباره "خطة واحدة من مقاس واحد تناسب الجميع". تدور بعض الخطط حول التغيرات التكنولوجية، لكن العديد من التحولات الأخرى تتطلب ملكية المواطنين، أو تركيزا أقوى على استعادة الطبيعة، أو نهجا جهازيا، وبوسعنا جميعا أن نتعلم من تجارب بعضنا على طول الطريق.

من جانبها، تحتاج الصين إلى رسم استراتيجية طويلة الأجل ذات معالم محددة للوصول إلى هدفها لعام 2060، ويُـعَـد وضع مثل هذه الخطة أمرا ضروريا لضمان توافق عملية صنع القرار في الأمد القريب- من الخطة الخمسية القادمة إلى مساهمتها المحددة وطنيا بموجب اتفاقية باريس- مع مسارات التنمية الطويلة الأجل في الصين، وخلاف ذلك سيكون من السهل للغاية الاستمرار في إرجاء الأمر ذاته إلى ما لا نهاية.

من منظور الصين، تشمل المعايير الرئيسة الوصول إلى ذروة الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2025، وتحديد كثافة كربونية أكثر طموحا (تقليصها بنحو 70% إلى 75%)، وأهداف الوقود غير الأحفوري، وتحديد أهداف للحد من استهلاك الفحم محليا، وما إذا كانت الصين قادرة على إنهاء بناء وتمويل مرافق الفحم الجديدة- سواء في الداخل أو الخارج من خلال مبادرة الحزام والطريق- سيكون اختبارا حاسما.

ما يدعو إلى التفاؤل أن الفحم، إلى جانب تأثيره المدمر على المناخ، لم يعد حتى مجديا اقتصاديا، ففي عام 2019 وحده، انخفض توليد الطاقة بإحراق الفحم بنحو 24% في الاتحاد الأوروبي وبنحو 16% في الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى انخفاضه إلى نصف المستوى الذي كان عليه في عام 2007. في الصين ذاتها، يُـدار ما يقرب من 60% من قدرة الفحم الهائلة في البلاد بخسارة، مما يعطي الحكومة كل الأسباب الوجيهة لتوسيع ريادتها العالمية في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، واستخدام نفوذها الدولي لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة خارج حدودها.

يحتاج الاتحاد الأوروبي، مثل الصين، إلى عرض الكيفية التي قد يتمكن بها من تلبية أهدافه في الأمد البعيد، فقد قررت المفوضية الأوروبية أن خفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول عام 2030 سيكون ضروريا للوصول إلى هدف الحياد المناخي، والآن، يتعين على المفوضية أن تكسب دعم البلدان الأعضاء السبعة والعشرين، فقد طالب برلمان الاتحاد الأوروبي بهدف 60%، وكلما أسرعنا في التوصل إلى اتفاق تحسنت فرصة الاتحاد الأوروبي في القفز إلى الأمام.

مع سعي الصين والاتحاد الأوروبي إلى تحقيق الهدف ذاته، ستكون الفرصة المتاحة لتعميق التعاون بينهما عظيمة، وكلا الجانبين يواجه تحديات مماثلة عندما يتعلق الأمر بالتعافي من أزمة مرض فيروس كورونا 2019، وتعظيم دور التمويل المستدام، وإدارة تخفيف الديون، وضمان الانتقال العادل للعاملين في القطاعات الكثيفة الاستخدام للكربون وغيرها من القطاعات التي ستتأثر قريبا. يجب ألا يقتصر التعاون على المستوى الوطني، فقد أظهرت الشراكات بين المدن، والمناطق، والأقاليم، والصناعات نتائج واعدة إلى حد كبير بالفعل.

إذا حققت الصين والاتحاد الأوروبي معاييرهما الرئيسة التالية، فستكون التداعيات العالمية واسعة وعميقة، إذ كانت الصين، "مصنع العالم"، الـمُـصَـدِّر الأكبر على الإطلاق وثالث أكبر مستورد في عام 2018، ومن خلال تحديد معايير أنظف وتركيز جهود المجتمع بأسره على تحقيق هدف الصِـفر الصافي، يصبح بوسع الصين إحداث تغيير كبير في سلاسل التوريد التي تمتد عبر البرازيل، وأستراليا، وإندونيسيا، فضلا عن مناطق بأكملها من إفريقيا إلى الشرق الأوسط، فالأمر ببساطة أن حكومات العالم يتعين عليها أن تعيد تقييم خططها الاقتصادية الطويلة الأمد من خلال عدسة خضراء.

الواقع أن إعلان الصين، الذي جاء في أعقاب المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، يذكرنا أيضا بالدور الحيوي الذي ينبغي للدبلوماسية أن تضطلع به، وحتى برغم أن الولايات المتحدة أنفقت السنوات الأربع الأخيرة في تقويض المؤسسات المتعدة الأطراف، فإن التعاون الدولي يظل في حكم الممكن، ولا يزال يقدم فوائد عميقة لأولئك الذين ينخرطون فيه.

بصرف النظر عن السرعة التي قد تتمكن بها الولايات المتحدة من العودة إلى المجتمع الدولي، فإن المسار العالمي واضح، لأن صافي الصِـفر هو المقصد، ويحسن كل القادة صنعا برسم مسارهم وفقا لذلك.

* لورانس توبيانا*

سفيرة فرنسا السابقة إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وحاليا الرئيسة التنفيذية لمؤسسة المناخ الأوروبية، وأستاذة في معهد الدراسات السياسية في باريس.

«بروجيكت سنديكيت، 2020» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top