الحملة الثقافية الأولى وقلعة مسلمان

نشر في 18-11-2020
آخر تحديث 18-11-2020 | 00:10
 فالح بن حجري منذ عقود طويلة أسكرت عقل الشرق كعناقيد عنب متخمرة في أنحاء خمارة والأسطول الضخم التابع للحملة الثقافية الأولى يحاول تارة تلو أخرى احتلال "قلعة مسلمان"، فبعد رسوه وسيطرته، ومنذ وقت طويل، على شواطئ المنابر والمحابر الشرقية وبنائه آلاف التحصينات الحداثية وما بعد الحداثية، والصيرورة وما بعد صرصرة الصراصير التي ارتفع بنيانها وسط سطور رمال التنطع والأفواه الناعقة، فشل الأسطول الثقافي المرتزق، ولم يستطع احتلال هذه القلعة العنيدة أو حتى خدش أسوارها، عجز منجنيق الاستشراق وحجارته الصم ورغم القصف المتواصل عن التأثير على حجارة الأسوار الصلبة، وتكسرت سلالم الاغتراب ومتسلقوها تباعا ومرارا وتكرارا عن الوصول إلى قمة أسوار القلعة الصامدة.

بعد هذا الفشل الممل والمتكرر فكر قادة الأسطول من المرتزقة الثقافيين في عقد مؤتمر لوضع خطة تجعلهم يسيطرون على قلعة مسلمان العصية على الخضوع! تهافت القادة وأهل "الحلول والانتقاد" حول طاولة المؤتمر، وتعالت صرخات الحضور وآهاتهم حتى قطعها صوت شيخ يفح فحيح الأفاعي، تنحنح ثم قال: يا سادة المصطلحات والانتكاسات: هل لاحظتم أن هناك فئرانا تخرج من بين جدران هذه القلعة؟ فلنقل إن هذه الفئران المسلمانية تنقل الطاعون والموت للقلاع المجاورة، فيتفرق دم سمعتها بين المنابر الإعلامية، نعم سيقول البعض إن فئران القلعة أذت سكانها أيضا، ولوثت طعامهم وسهلت للطاعون نهش لحمهم، وسيقول البعض إن أسطولنا ذاته فيه مثل هذه الفئران بشحمها ولحمها ونجاستها، لكن الصوت الأعلى يكسب دوما فقولوا هي فئران مسلمانية بالأخير، وتمارس الإرهاب المسلماني.

صفق الحضور مرحى مرحى مرحى يسقط الإرهاب الفئراني المسلماني، تنحنح شيخ آخر يجلس وسط دائرة المؤتمر وعدل جلسته، ثم قال يا سادة الأسطول وعبيد أمواج الارتزاق: لن نخترق هذه الأسوار أبدا من الخارج، فاسمعوا وعوا لا بد من إرسال بعضنا للقلعة ومحاولة كسب ثقة أهلها، وبعدها سيصعد هؤلاء المندسون الدهاة ويقفون جنبا إلى جنب مع حماة الأسوار، وسيضعفون دفاعاتها من الداخل، ويسهلون علينا إيجاد الثغرات واستغلالها... مرحى مرحى مرحى صاح الجميع: عاش المندس عاش.

كح شيخ آخر فوجه الخاسرون أنظارهم إليه، فقدر ثم عبس وبسر، وقال يا إخوة السم الناقع في عسل الحداثة، لو عبرنا فقط السور المشرقي المسمى سور الحديث فلن يطول الوقت حتى نصل إلى قلب القلعة، هذا السور تكسرت عليه أقسى هجماتنا، سأله رجل من بعيد: وكيف نعبره، وكيف السبيل إليه، وأنت تعرف صلابته وارتفاعه؟ قال الشيخ: سنضعفه يا أخياه إن قللنا من أهميته بين حراسه، ونشرنا أقاويل عبر جواسيسنا بالداخل بأن تكلفة السور المشرقي باهظة ولا يستحقها، ولا بد من الاهتمام بقلعة الآيات بالداخل بدون الاعتماد على حراسته، فبذلك ننزع اللحاء عن شجرتهم، ونتركها بدون حماية! مرحى مرحى مرحى صاح الحضور، ورفعت كؤوس الراح عاليا.

في الصباح تحركت كتائب الحملة الثقافية الأولى نحو القلعة، وحسب الخطة الموضوعة، فرقة هاجمت الأسوار كالعادة، موجات وراء موجات تهدر في البداية، ثم ترغي وترتد خائبة كل مرة، وفرقة صغيرة انسلت كالثعالب للداخل، وبدأت تمارس دورها المرصود، وفرقة انتشرت في الأسواق وهي تصرخ وتصيح: ما لنا بهذا السور المشرقي ذي الأبراج الستة، اتركوه اتركوه يسقط، ولنركز على قلعتنا كي نرتاح من همه.

ثار الغبار ونفثت نيران الشهوات دخان هواها، وتعالت الصيحات من الجانبين صوت يحصن سوره، وصوت يحتضن حقده، وهمهمت الآهات وتوالت الهجمات وما زالت القلعة صامدة وما زالت المعركة… مستمرة!

back to top