مصادفات صنعت حضارات!

نشر في 17-11-2020
آخر تحديث 17-11-2020 | 00:19
 د.نجم عبدالكريم اسمحوا لي أن أقدم لكم، اليوم، "لورانس كوستر" الذي ولد عام 1370 في هولندا... والذي خرج يوماً مع زوجته وأطفاله إلى نزهة في غابة قريبة من مدينته "هارليم"، وكان يجرب بعض ألوانه الزيتية على الأشجار، وفي اليوم الثاني قالت له زوجته بحنق:

- كيف لي أن أزيل هذه الأصباغ من على ملابس الأطفال؟

فلما نظر إليها صاح مبتهجاً:

* شكراً لكِ حبيبتي ماريانا.

- على ماذا؟

* ألم تلاحظي لون الرسم الذي حفرته على الشجرة كيف انتقل كما هو على ملابس الأطفال؟!

- وهل اكتشفت سر الكون بهذه الأصباغ؟

* لا تسخري يا ماريانا، فلو أعدت الطلاء نفسه على الشجرة لطبعنا نسخاً متعددة من ذلك الرسم.

- وما فائدة ذلك العبث بحق السماء؟

* عبث؟! هل تعرفين كم سيكون سعر الكتاب المقدس إذا تم طبع الألوان على رقائق جلد الكتاب؟

***

• وبعد أن شرح كوستر لصديقه غوتنبرغ ما حدث له، وكان سعيداً بما توصل إليه من تجارب رسم الحروف، شاركه غوتنبرغ فرحته، لكنه لم يكن مقتنعاً بالأحرف الخشبية، فحفر آلاف الحروف، ثم ربطها بالحبال، وهي عملية مرهقة وغير فاعلة، لأن الخشب يتآكل، مما يشوه الكلمات المصفوفة، فاقترح استبدال سبك الحروف بمواد معدنية تُصنع منها قوالب بحروف من الرصاص.

***

• وتمكنا معاً بعد عدة سنوات من العمل الجاد والمرهق من جمع حروفٍ من الرصاص وصفّها، إذ استمر غوتنبرغ بمفرده بعد أن توفي كوستر، فتم طبع أول كتاب مقدس عام 1450.

***

• وقد اشترى شارل السابع ملك فرنسا تلك النسخة المطبوعة سراً في مطبعة غوتنبرغ بألمانيا، ودفع فيها مبلغاً كبيراً نظراً لنفاستها، وبعد فترة وجيزة طلب أسقف كنيسة نوتردام زيارة الملك ليطلعه على نسخة من الكتاب المقدس كُتبت بطريقة جديدة، ولما طالعها الملك اكتشف أنها نسخة طبق الأصل من تلك التي كان قد اشتراها، وهنا قال الأسقف للملك:

- أظن يا مولاي أن الذي باعنا هاتين النسختين المتشابهتين هو إبليس، ولابد من الإيقاع به.

ولكنهم قبل أن يجدوا إبليس اكتشفوا أن في مدينة باريس وحدها تم بيع ما لا يقل عن خمسين نسخة من نفس نسخة الكتاب المقدس، ثم ألقى الأسقف خطبه التي يحذر فيها الناس من شراء الكتاب الذي ينشره الشيطان، وقد أُلقي القبض على جون فست من مدينة ماينز، وجرى معه التحقيق على الشكل التالي:

- هل بعت نفسك للشيطان الذي أمرك ببيع الكتاب المقدس؟

- (فضحك الرجل)... الشيطان في رؤوسكم، تعالوا معي إلى المطبعة لأطبع أمامكم عدداً من النسخ دون تدخل من الشيطان.

- أنت تكذب، الشيطان هو القادر على طباعة هذا الكم من الكتاب المقدس.

فدلهم على مكان مطبعة غوتنبرغ في ألمانيا، ولكنهم اكتشفوا أن مخترع المطبعة قد فر إلى بريطانيا ليتفق مع دور النشر هناك على طباعة كتبٍ كان أولها "لعبة الشطرنج" لهاري أبسالوم.

***

• وهكذا استثمرت الحضارة الإنسانية أروع اكتشافاتها، التي قدحت زناد الفكر للإنسان، ليجعل الكتاب بهذه الكثافة المعرفية.

back to top