الكتمان وتأثيراته السلبية

نشر في 13-11-2020
آخر تحديث 13-11-2020 | 00:00
 د. نبيلة شهاب الكتمان هو سلوك يعبر عن خوف الفرد من مشاركة الآخرين لأفكاره وتفاصيل يومه وهمومه ومشاكله والضغوط التي يمر بها، وحتى اللحظات المفرحة والسارة والأحداث السعيدة، يمتنع الكتوم عن الحديث عن خبراته والأحداث اليومية والحياتية حتى مع أقرب الناس إليه برغبة منه، وغالباً ما يكون هذا السلوك نابعاً من شخصية كتومة متحفظة جداً أو نتيجة خبرة سلبية شديدة أدت إلى قيام الفرد بكتمان كل ما يفرحه أو يؤلمه أو يخيفه أو يحزنه في داخله ولا يتشارك به مع أحد.

قد يراه البعض سلوكاً سامياً فيه احترام وتقدير للذات كون الفرد لا يطلع غيره على مشاعره الخاصة من حزن أو خوف أو ألم أو ارتباك أو خجل أو ندم وغيره، وقد يعتبر دليلا على قوة الشخص لأنه يتحمل كل ما يؤلمه دون أن يشتكي لأحد أو يتذمر.

ولكنه في حقيقته سلوك سلبي وضرره على الفرد أكثر من نفعه، فالكتمان لا يترك لصاحبه المجال الى أن يتخلص من المشاعر السلبية المؤذية، ولو لوقت قصير عن طريق مشاركته مع من يثق بهم، ولا يترك مجالاً لمناقشة تفاصيلها مع أي إنسان قريب للنفس، وقد يكون هذا النقاش مفتاحاً للتخلص منها أو على أقل تقدير التقليل من تأثيرها السلبي السيئ، أو فهمها واستيعابها بصورة أفضل فقد يتضح نتيجة الحديث عنها مع آخرين جوانب إيجابية غير واضحة للفرد نفسه.

الكتمان والصمت، خصوصا في حالة الغضب أو القهر أو الحزن وغيرها، يؤثران بصورة سلبية سيئة على النفس والقلب وجميع أعضاء الجسم، ويترتب عليهما تأثير سلبي على التفكير والسلوكيات عامة والحياة الاجتماعية والعملية.

وهنا نرى الفرق بين الكتمان والحذر من الحديث بكل ما يخص الفرد، فالكتمان أقرب الى دفن ما يؤلمنا أو يحزننا أو يخجلنا في داخلنا وعدم الحديث عنه مطلقاً، أما الحذر ففيه نختار مع من ومتى نتشارك هذه الخبرات الإيجابية أو السلبية.

كما يختلف الكتمان عن الكبت، فالكبت هو حيلة لا شعورية تقوم بها الذات للدفاع عن نفسها ضد أي هم أو ألم أو قهر أو ضغط، وعادة لا يحدث الكبت إلا إذا كان كل ما سبق أو غيره شديداً على النفس، ويصعب احتماله أو التكيف معه، فيتم إخفاؤه في اللا شعور، وينساه الفرد ولا يتذكره إلا بأساليب نفسية علاجية معينة، أما في حالة الكتمان فيظل الضغط أو الهم أو الحزن أو الألم النفسي في الشعور، ويتذكره الفرد ويفكر فيه كثيراً إن لم يكن دائماً، يجتره ويعيده بكل ما يسبب داخل النفس من خبرة ومشاعر سلبية مؤذية.

ولا يعني ذلك أن يكون الفرد كتاباً مفتوحاً بكل ما يحويه من مشاعر واهتمامات، بحيث يقرؤه العدو قبل الصديق، فالكلام الكثير دون تحفظ يضر أكثر مما يفيد، ومن المهم والحتمي أن نتشارك في ما يؤلمنا أو يحزننا أو يخيفنا أو يفرحنا أو يشعرنا بالخجل من أنفسنا مع الإيجابيين ممن نثق بهم ثقة تامة ونثق بحبهم لنا، ونثق بتفكيرهم الموضوعي في التعامل مع جميع الظروف والمواقف، ونثق بحسن ظنهم بالآخرين.

back to top