اصطفاف أوروبي مع فرنسا... وإردوغان يستحضر الحملات الصليبية

معارك قضائية بين باريس وأنقرة بعد كاريكاتير لـ «شارلي إيبدو» يسخر من الرئيس التركي

نشر في 29-10-2020
آخر تحديث 29-10-2020 | 00:07
فلسطينيان يرسمان «غرافيتي» ضد ماكرون في مخيم النصيرات في غزة أمس (أ ف ب)
فلسطينيان يرسمان «غرافيتي» ضد ماكرون في مخيم النصيرات في غزة أمس (أ ف ب)
بينما اتخذ تجدد قضية الرسوم المسيئة للإسلام بعداً خاصاً بين فرنسا وتركيا، أعربت عدة دول أوروبية عن تضامنها مع باريس، بعد جريمة كونفلان، وفي مواجهة دعوة أنقرة رسمياً إلى مقاطعة البضائع الفرنسية.
بدأت الدول الاوروبية تصطف مع فرنسا في المواجهة، التي اتخذت بعداً خاصاً مع تركيا، على خلفية تجدد قضية الرسوم المسيئة، إثر جريمة قتل مدرس نشرها وتمسك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالحق في نشرها تحت يافطة «حرية التعبير».

وانضمت بريطانيا أمس الى «القطار» الأوروبي، عقب مواقف داعمة لباريس من قبل برلين وروما والاتحاد الأوروبي الذي حذّر تركيا من انتهاك قواعد التجارة والاتفاقيات بدعوة رئيسها رجب طيب إردوغان لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

وفي توبيخ مستتر لتركيا، دعا وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الدول الأعضاء في حلف «ناتو»، لـ «الوقوف معاً دفاعاً عن قيم التسامح وحرية التعبير».

وقال راب في بيان: «بريطانيا متضامنة مع فرنسا والشعب الفرنسي بعد جريمة قتل المدرس صامويل باتي الشنيعة»، في إشارة الى مدرس التاريخ الفرنسي الذي قتل بقطع رأسه منتصف هذا الشهر على يد لاجئ شيشاني، لأنه عرض الرسوم المسيئة خلال حصة نقاشية حول حرية التعبير.

وإذ شدد على أن «الإرهاب لا يمكن ولا يجب أن يكون مُبَرَراً»، قال وزير الخارجية البريطاني إن «أعضاء حلف شمال الأطلسي والمجتمع الدولي الأوسع يجب أن يقفوا كتفاً بكتف وراء القيم الأساسية للتسامح وحرية التعبير، وألا نمنح الإرهابيين أبدا شرف شق صفوفنا».

وكانت لندن قد تعرّضت لانتقادات على «تويتر» لعدم إصدارها أي موقف من الأزمة.

جاء ذلك، بعد رفض رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي، أمس، شكوى قدمها إردوغان بحق مسؤول زعيم «حزب الحرية» اليميني المتطرّف غيرت فيلدرز، بعد نشره رسماً كاريكاتورياً للرئيس التركي على «تويتر».

وتوجه روتي مباشرة الى إردوغان عبر الكاميرا أمام صحافيين هولنديين، وقال «لدي رسالة للرئيس إردوغان هي في غاية البساطة: في هولندا نعتبر حرية التعبير أعظم خير، وهذا يشمل الرسوم الكاريكاتورية، ومنها تلك التي تمثّل سياسيين».

وأكد رئيس الوزراء الهولندي أن «شكوى بحق شخصية سياسية هولندية قد تفضي حتى الى تقييد حرية التعبير أمر غير مقبول» مضيفا أن لاهاي ستنقل ايضا وجهة نظرها الى السلطات التركية «عبر القنوات الدبلوماسية المعهودة».

واعتبر روتي ان الشكوى بحق فيلدرز «تتجاوز كل الحدود».

ونشر فيلدرز السبت الماضي، على «تويتر» رسما كاريكاتوريا للرئيس التركي وهو يرتدي قبعة تقليدية عثمانية على شكل قنبلة وكلمة «إرهابي». ووفقا لوكالة أنباء الأناضول التركية رفع إردوغان شكوى الثلاثاء أمام محكمة في أنقرة على فيلدرز، متهما إياه بـ «الفاشية».

رسم جديد

الى ذلك، أصدرت مجلة «شارلي ايبدو» الفرنسية، أمس، عدداً جديداً رسمت إردوغان على غلافه. وأظهر الرسم إردوغان يرتدي ملابس داخلية، في حين يرفع بيده الثانية عباءة امرأة محجبة. وعلقت تحت الرسم :«في حياته الخاصة هو أكثر طرافة».

وأثار تصوير الرئيس التركي بهذا الشكل، غضب الحكومة التركية التي ندّدت بـ «عنصرية ثقافية» وتعهّدت باتخاذ إجراءات «قضائية ودبلوماسية» رداً على ذلك.

وأفادت مديرية الاتصال في الرئاسة التركية، في بيان باللغة الفرنسية، بأنه «سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية والدبلوماسية اللازمة ضد الرسم الكاريكاتوري المذكور».

وأوضح الناطق باسم الرئاسة، إبراهيم كالين، على «تويتر»: «إنهم يعرضون فقط بذاءاتهم وفجورهم. أي اعتداء على الحقوق الشخصية ليس دعابة أو حرية تعبير».

أما رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة، فخر الدين ألتون، فرأى أن «أجندة ماكرون المناهضة للمسلمين تؤتي ثمارها!»، مضيفا: «ندين هذه المحاولة الأكثر إثارة للاشمئزاز من جانب هذه المطبوعة لنشر عنصريتها الثقافية وكراهيتها».

وأعلنت النيابة العامة في أنقرة فتح تحقيق يستهدف مسؤولي «شارلي إيبدو»، بسبب «إهانة رئيس الدولة».

إردوغان

من ناحيته، قال إردوغان أمس، إن الدول الغربية التي تهاجم الإسلام تريد «إعادة الحملات الصليبية». وأضاف في كلمة أدلى بها لنواب حزبه «العدالة والتنمية» في البرلمان أن الوقوف في وجه الهجمات على النبي، صلّى الله عليه وسلم، «شرف لنا».

كما انتقد الرئيس التركي بشدة، تصويره في «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، معتبرا أنه «هجوم حقير» من جانب «أوغاد».

وقال: «لم أنظر إلى هذا الرسم، لا داعي لقول أي شيء عن هؤلاء الأوغاد». وأضاف: «غضبي ليس ناجماً عن الهجوم الحقير ضد شخصي، إنما عن الشتائم للنبي محمد»، صلّى الله عليه وسلّم.

ورأى أن «قلة احترام الرسول بين القادة في أوروبا أصبحت تنتشر مثل السرطان»، وأضاف: «الوقوف بإخلاص ضد الاعتداء بحق نبينا مسألة شرف بالنسبة لنا». وتابع: «الذين يناصبون الإسلام وتركيا العداء سيغرقون في مستنقع الحقد والكراهية الذي دخلوه باسم الحرية، وهذه إشارات عودة أوروبا إلى العصر الهمجي».

الرياض

وفي المواقف، جدد مجلس الوزراء السعودي مساء أمس الأول، رفض المملكة لأي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب، واستنكارها للرسوم المسيئة للنبي محمد أو أي من الرسل.

وذكرت «وكالة الأنباء السعودية» الرسمية (واس)، أن «المجلس أعرب أيضا عقب اجتماعه ليل الثلاثاء عن إدانة المملكة ونبذها لكل عمل إرهابي أو ممارسات أعمال تولّد الكراهية والعنف والتطرف، والتأكيد على أن الحرية الفكرية وسيلة للاحترام والتسامح والسلام».

روحاني

وفي طهران، قال الرئيس حسن روحاني، أمس، في خطاب متلفز خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة «إهانة النبي، صلّى الله عليه وسلم، ليست عملا بطوليا، هي عمل غير أخلاقي، هي تشجيع على العنف وإراقة الدماء. إثارة مشاعر الملايين والمليارات حول العالم، من المسلمين وغير المسلمين، هذا ليس عملا بطوليا».

وسأل روحاني «أي جزء من تعريف الحرية، يتضمن التخلّي عن الأخلاق؟».

من ناحيته، دعا أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، الدول الإسلامية الى طرد السفراء الفرنسيين في إجراء مشترك.

خان

وفي إسلام آباد، قرر رئيس وزراء باكستان عمران خان، حسب مصادر، كتابة خطابات إلى زعماء العالم الإسلامي ليطلب دعمهم في إثارة قضية الرسوم بالمحافل الدولية.

فرنسا

وعقب اجتماع مجلس الوزراء الفرنسي، أمس، صرح الناطق باسم الحكومة غابريال أتال، بأن بلاده "لن تتراجع أبدا عن مبادئها وقيمها" رغم "محاولات زعزعة الاستقرار والترهيب"، منوها بـ "الوحدة الأوروبية الكبيرة".

وقال أتال إن فرنسا "تتعرض لتهديد إرهابي متنام في الأيام الأخيرة، تغذيه دعوات كراهية"، لكن ذلك "يعزز إرادتنا في مكافحة الإسلام المتطرف وكل أوجهه بلا هوادة".

من ناحيته، أعلن المندوب الحكومي لمحاربة العنصرية في فرنسا فريديريك بوتير، أمس، أنه أبلغ القضاء الفرنسي بتغريدة نُشرت مساء أمس الأول لنائب وزير الثقافة التركي سيردار جان، بالفرنسية «شارلي إيبدو أنتم أوغاد، أنتم أبناء عاهرات، أنتم أبناء كلاب».

وفي حين قّرر مجلس الوزراء الفرنسي، أمس، حظر جمعية «بركة سيتي»، أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمانين، أن أئمة "مسجد باريس الكبير" سيقرأون خلال خطبة صلاة الجمعة غداً، قصيدة من أجل الجمهورية وفرنسا، في خطوة وصفها الوزير بالرمزية والقوية.

كما قرّرت لجنة أنشأها «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» والمسؤولة عن تطوير برنامج تدريبي مشترك للأئمة والقساوسة عقد اجتماع السبت المقبل.

كما اتخذ «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» قراراً بدعوة لجنة منع التطرف إلى الانعقاد الأحد المقبل في جلسة عامة، من أجل وضع خطة لمكافحة جميع أشكال الراديكالية والتطرف.

«الإساءة» تشجع على إراقة الدماء روحاني
back to top