محكمة التمييز تلزم وزارة الداخلية تمكين مواطن من استخراج جواز سفره الإلكتروني

أكدت أن امتناع الوزارة مخالف للدستور ويضر بحقه في التنقل إلى الخارج

نشر في 27-10-2020
آخر تحديث 27-10-2020 | 00:04
في حكم قضائي بارز، قضت محكمة التمييز المدنية الأولى، برئاسة المستشار فؤاد الزويد، بإلغاء قرار وزارة الداخلية عدم تمكين مواطن من استخراج جواز سفر إلكتروني لمخالفة ذلك القرار لأحكام الدستور الكويتي.
قالت المحكمة، في حيثيات حكمها رداً على مبررات وزارة الداخلية عبر دفاع ادارة الفتوى والتشريع، إن سبب امتناع الوزارة عن استخراج جواز سفر الكتروني لأحد المواطنين يعود لحكم قضائي صدر بحق هذا المواطن في المملكة العربية السعودية، وإلزامه بتسليم جواز سفر لإضراره بالبلاد، إن ذلك الأمر لا يبرر الامتناع أو سحب جواز سفره منذ عام 2015.

وأضافت ان احتراز السلطة من أي محاذير تحيق بهذه المصلحة أضرارا بها، وبسمعة الوطن داخليا وخارجيا، فمردود بأن هذه السلطة يتعين أن تظل ملتحفة بسياج من المشروعية لا ينفك عنها، قوامه خطورة ما قارفه المواطن من إثم، واستمرار ما فرط منه من مسلك معيب، ويوزن في كل حالة على حدة، ميزانا مسوغا للإمساك عن إصدار الجواز أو سحبه زمنا.

سلطة المحكمة

وأضافت المحكمة، في حكمها، أنه من المستقر في قضاء هذه المحكمة أن تكييف الدعوى وبيان حقيقة وصفها إنما هو من سلطة محكمة الموضوع، باعتباره تفسيراً للنية الحقيقية التي قصدها الخصوم من الدعوى، وتمكيناً للمحكمة من إنزال حكم القانون على واقع المنازعة، وأنه من المقرر أن محكمة الموضوع ملزمة في كل حال إعطاء الدعوى وصفها الحق، وإسباغ التكييف القانوني الصحيح عليها دون التقيد بتكييف الخصوم لها، وهي غير مقيدة في ذلك إلا بالوقائع المطروحة عليها، والعبرة في التكييف بحقيقة المقصود من الطلبات فيها، وليست بالألفاظ التي صيغت بها هذه الطلبات، وهي تخضع في هذا التكييف لرقابة محكمة التمييز.

جواز السفر

وأشارت إلى أنه من المقرر أن نص المادة 31 من الدستور يقضي بأنه «لا يجوز القبض على إنسان... أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل الا وفق احكام القانون»، كما قضت المادة 17 من القانون رقم 1962/11 في شأن جوازات السفر بأن «تُصرف جوازات السفر لمن يتمتعون بالجنسية الكويتية، وفقا لأحكام الجنسية المعمول بها وقت صدور الجواز «.

وبينت ان المادة 19 تنص على أنه «يجوز لأسباب خاصة رفض منح جواز السفر أو تجديده كما يجوز سحب الجواز بعد إعطائه»، مما يدل على أن حرية الشخص في التنقل داخل البلاد وخارجها هي من الحريات الأساسية التي أوردها الدستور ضمن الحقوق العامة المنصوص عليها في الباب الثالث، وحظر تقييدها، إلا وفق أحكام القانون، بما مؤداه إجازة وضع ضوابط وقيود على تلك الحرية لدواعي المصلحة العامة، وأمن المجتمع وسلامة الحكم، دون أن تلامس هذه القيود حد الدوام زمانا ومكانا، وإلا استحالت مصادرة لا قيدا إفراغا للحرية من مضمونها.

الجنسية

وأضافت أنه «وإذ كان مقتضى حرية التنقل تمكين الشخص من استخراج جواز السفر، فقد جعل المشرع منح الجواز حقا لصيقا بالجنسية الكويتية، فلا يجوز لجهة الإدارة حرمانه منه بغير مسوغ جدي يقتضيه الصالح العام، ويبرر المساس بحقه الدستوري في التنقل والسفر للخارج، والذي لا يتحقق إلا بإعطائه جواز سفر يمكنه من ممارسة الحق، فإذا ما ارتأت الجهة الإدارية توافر المسوغ لسحب الجواز، ثم إمساكه زمنا رفضا لتجديده كان عليها الإفصاح عن مبررات ودواعي قيامها بذلك، اذ تخضع وهي تمارس هذه الصفة في تقييد حرية الأشخاص لرقابة القضاء الإداري رقابة يبسطها على مشروعية القرار الصادر في هذا الشأن، تمحيصا لأسبابه لاستبيان قيامه على وقائع نتيجته ماديا وقانونا، ومدى تناسبها مع محله، وللقضاء في حدود رقابته للقرار أن يقدر تلك العناصر التقدير الصحيح.

سبب القرار

وذكرت أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه «ولئن كان القرار الإداري يجب أن يقوم على سبب يبرره في الواقع وفي القانون، وذلك كركن من أركان انعقاده، وكان السبب في القرار الإداري هو الحالة الواقعية والقانونية التي تحمل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثر قانوني، الا أنه لما كانت جهة الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها، ويفترض في القرار غير المسبب أنه قام على سببه الصحيح، الا أنه إذا ذكرت الإدارة سببا للقرار فإن هذا السبب يخضع لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مطابقته أو عدم مطابقته للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها، وهذه الرقابة تجد حدها الطبيعي عما إذا كانت مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونيا أم لا».

تظلم

ولفتت المحكمة إلى أن الطاعن في دعواه الراهنة لا يعاود منازعة جهة الإدارة إمساكها المؤقت لجواز سفره ومنعه من السفر، عقب ما اسند اليه حال تواجده في المملكة العربية السعودية من تهريب ثلاثة أسلحة نارية، وإنما تدور المنازعة حول استمرار هذا المنع بما يستحيل تأييدا لتقييد حرية السفر والتنقل المصونة بحكم الدستور، مستندة إلى أنه لو أجيز الحظر المؤقت لدواعيه، فإنه ليس بسائغ تأييده، ومما يرسخ هذا اليقين - في حقيقة نزاع الطاعن - تظلمه إلى وزير الداخلية بتاريخ 2018/5/6، حيث طلب تسليمه جواز سفره المسحوب منذ أكثر من ثلاث سنوات تمكينا له من مباشرة أعماله خارج الكويت، ومرافقة أسرته، فشكايته ليست منصبة على أصل امساك الجواز، بل على عدم تسليمه إياه أو تمكينه من استخراجه صالحا بعد هذه المدة، ومن ثم فإن حقيقة ما يهدف اليه الطاعن - بحسب صحيح تكييف طلباته- هو الحكم بإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالاستمرار في الامتناع عن تسليمه جواز سفره، وتمكينه من استخراج الجواز الإلكتروني أسوة بغيره من المواطنين الكويتيين مع ما يترتب على ذلك من آثار، وهو قرار سلبي يسوغ الطعن عليه بالإلغاء دون تقيد بميعاد.

امتناع

وتابعت بأن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة، المطعون ضدها بصفتيها - قد سحبت جواز سفر الطاعن أثرا لما نسب اليه من اتهام على النحو المتقدم، فراجعها الطاعن في امتناعها عن تسليمه جواز سفره حتى نزل على رغبتها، وإذ طالت مدة الامتناع فقد عاود منازعتها استمرار هذا الامتناع مدة جاوزت الثلاث سنوات، طالبا تسليمه الجواز صالحا للسفر، وتمكينه من استخراج الجواز الالكتروني أسوة بغيره من المواطنين الكويتيين، وركن في ذلك إلى استقامة مسلكه خلال هذه المدة حسب الثابت من صحيفة الحالة الجنائية له، وحاجته الضرورية والماسة للسفر للخارج لمتابعة ومباشرة أعمال شركته ومرافقة أسرته.

احتراز

وأضافت: «وإذ كانت جهة الإدارة لم تدحض ما قدمه أو ساقه الطاعن، كما لم تنهض الى تقديم دواعي استمرارها في سحب جواز سفره أو رفض تجديده، رغم فوات تلك المدة، بما يمثل تقييدا لحريته في التنقل والسفر دون مسوغ، تزيدا في التحوط لما فرط منه قبلاً، دون أن تقدم دليلا يسوغ استمراره، ومن ثم يضحي امتناعها قرارا سلبيا مخالفا للقانون حقيقا بالإلغاء، دون ان يغير من ذلك اعتصام جهة الإدارة بسلطتها التقديرية الموسدة اليها قياما على المصلحة العامة في هذا الشأن، بما يقتضيه من الاحتراز من أية محاذير تحيق بهذه المصلحة إضرارا بها وبسمعة الوطن داخليا وخارجياً، فذلك مردود بأن هذه السلطة يتعين ان تظل ملتحفة بسياج من المشروعية لا ينفك عنها، قوامه خطورة ما قارفه المواطن من إثم، واستمرار ما فرط منه من مسلك معيب، يوزن في كل حالة على حدة ميزاناً مسوغاً للإمساك - من عدمه- عن إصدار الجواز او سحبه زمناً، خاصة أنها تملك بعد معاودة إصداره إعادة سحبه إن بدت دواعيه، دون أن تتأييد لإمساكه ذهاباً بحرية الفرد المضمونة دستورياً في التنقل، واستخدام جواز السفر فيما بدا له، وذلك هو التوازن والموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الفردية، وإن ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مغايراً، وانتهى في قضائه إلى رفض الدعوى، فإنه يكون قد خالف صحيح القانون بما يوجب تمييزه لهذا الوجه من السبب، دون حاجة لبحث الوجوه الأخرى منه.

الاحتراز باسم المصلحة العامة يجب ألا يضر سمعة الوطن داخلياً وخارجياً

منح الجواز حق لصيق بالجنسية ولا يجوز الحرمان منه دون مسوغ

يتعين أن تظل السلطة متلحفة بسياج من المشروعية لا ينفك عنها
back to top