عندما نكون جاهزين (1)

نشر في 25-10-2020
آخر تحديث 25-10-2020 | 00:07
هناك فئة من تجار البشر قاموا بتشويه صورة العمالة الوافدة من كل الجنسيات لأنهم أحضروا عمالة بدون عمل، واستغل ضعاف النفوس بشراً وإخوة أتوا من أجل العمل الحلال فأصبحوا ضحايا للجشع ورقما سائبا في الشوارع، فيبحث كل منهم عن أي عمل يأكل ويسكن ويتنقل منه، ويختبئ من كفيل يطلب تسديد قيمة الكفالة السنوية الباهظة لتجديد الإقامة.
 علي البداح تعود مرة أخرى الضجة المفتعلة ضد العمالة المصرية، ولا أريد الحديث مرة أخرى عن مسبب هذه الضجة ولا دوافعها ومحاولة الوقيعة بين الكويت ومصر، فقد أغنتنا وزارة الخارجية عن ذلك، لكن أود لو نعود إلى الوراء، إلى كويت ما قبل النفط أو في أول سنواته، فالإحصائية التي نشرها د. عادل عبدالمغني تقول إن عدد المواطنين الكويتيين عام 1957 بلغ 114 ألفاً تقريبا من مجموع السكان البالغ عندها 206 آلاف، أي في ذلك العام وبعد 11 عاما من تصدير أول شحنة نفط كان الكويتيون يمثلون 55% من عدد السكان.

قبلها وحينها كان الكويتيون يعملون في كل المهن، فقبل النفط كان الكويتي بحاراً ونجاراً وبنّاءً وحداداً وخبازاً وحفاراً ومنظف آبار وناقلاً للماء وبائع خضار ولحم وسمك، وكل المهن التي يحتاجها الناس كان الكويتيون يقومون بها.

وحين ظهرت أموال النفط بدأ حاكم الكويت عندها بتوزيع الثروة وتغيير نمط حياة الكويتيين، وبدلا من الاستمرار في مهنهم جلبوا عمالة عربية وأجنبية لأداء المهام المرهقة، واستمروا في ذلك حتى نسوا تلك المهن، ثم انقضى ذلك الجيل العامل، وبدأ الجيل الخامل مع الأسف مسلّما جل أنشطته المهنية إلى العمالة الوافدة، ولم يكن هناك فئة منتجة تنظر إلى المستقبل إلا عدد محدود من التجار المغامرين الذين استشرفوا المستقبل، فوضعوا لبنات لصناعة ومشروعات عملاقة ظلت إلى يومنا هذا هي الجانب المشرق في حياة الكويت ما بعد النفط، وبرحيل هذه المجموعة من تجار الكويت انتهى جيل البنائين والمبدعين الحريصين على مستقبل الكويت.

كان الكويتيون سعيدين بالأجانب الذين توافدوا إلى الكويت ليقوموا بالأعمال التي تركوها، وليصير اعتماد البلاد عليهم اعتمادا كاملا، ولولا صناعات النفط وبرامجها ورواتبها ومزاياها لكانت صناعة النفط بيد الوافدين أيضا، وتركز جهود الكويتيين على الوظائف النظيفة وخصوصا في وزارات الدولة، حيث الراتب المضمون في وظائف أغلبها بدون عمل يذكر.

ومع ازدياد العمالة الوافدة بدأ الكويتيون يكتشفون أنهم أصبحوا قلة، فدخلنا أكثر من مرة في جدال حول نسب بعض الجنسيات والتخوف منها، وقد شملت هذه الضجة في البداية العمالة الإيرانية ثم الفلسطينية ثم البدون والبنغال، وأخيرا جاء دور العمالة المصرية، لكن مع كل من الجاليات المذكورة يظهر سبب واضح ومفهوم للضجة التي تثور إلا في هذه المرحلة حيث الضجة المفتعلة ضد الوافدين المصريين، وللأسف فإن توافر وسائل التنافر الاجتماعي وسهولة انتشارها والاختباء تحت مسميات مزيفة أو استثمار مجمعات المغردين المرتزقة أدى إلى تضخيم المشكلة وإيصالها إلى آفاق واسعة دون أن يسأل أحد نفسه: وماذا لو تركت العمالة المصرية البلد الآن؟

للأسف اشترك كثيرون في الانزعاج من حجم العمالة المصرية رغم أن الكويت لا يدخلها أحد للعمل إلا بكفيل كويتي سواء كان فردا أو شركة أو جهازا حكوميا، وحسب النظم والإجراءات القانونية. هناك فئة من تجار البشر قاموا بتشويه صورة العمالة الوافدة من كل الجنسيات لأنهم أحضروا عمالة بدون عمل، واستغل ضعاف النفوس بشراً وإخوة أتوا من أجل العمل الحلال فأصبحوا ضحايا للجشع ورقما سائبا في الشوارع، يبحث عن أي عمل يأكل ويسكن ويتنقل منه، ويختبئ من كفيل يطلب تسديد قيمة الكفالة السنوية الباهظة لتجديد الإقامة.

في الكويت الآن جاليات كثيرة بعضها يلقى اهتمام حكومته مثل ما فعل رئيس الفلبين وحكومة مصر وبعضها لا يثير ضجة رغم أنها تعاني الأمرين، لكن الكويتيين لا يلتفتون إلى الصامتين على الظلم، لكن ألسنتهم تخرج من بلاعيمها إذا تجرأ وافد على المطالبة بحقوقه.

طبعا لكل بلد موازنة في عمالته وتحديد نسبتهم للسكان الأصليين وإعادة النظر في التركيبة السكانية لكن هذا يتم بدون إعداد وتخطيط وبدون أي إساءة لأي إنسان، فواجبنا أن نكرم ضيوفنا وأن نودعهم معززين ومقدرين وفي جيوبهم كامل حقوقهم.

عندما نستعد ويصبح منا البنّاء والحداد والنجار والصباغ وكل المهن الفنية البسيطة التي نحتاجها يوميا، عندها فقط نستطيع أن نقول شكراً للوافدين.

أثار البعض ضجة حول الوافدين الذين يحتلون وظائف مهمة في الدولة أو في الشركات ولهؤلاء نفرد تكملة لهذا المقال.

يتبع،،،

في الكويت جاليات كثيرة بعضها يلقى اهتمام حكومته مثل الفلبين ومصر وبعضها لا يثير ضجة رغم معاناته الأمرّين
back to top