في ظلال الدستور: فض دور الانعقاد أسقط الحصانة القضائية دون البرلمانية (1- 2)

نشر في 25-10-2020
آخر تحديث 25-10-2020 | 00:10
كان النص على الحصانة القضائية في الدساتير والقوانين المعاصرة ضرورة لحماية المسيرة البرلمانية من الكيد أو التعسف في اتهام أعضاء البرلمان كذباً بارتكاب أفعال يجرمها القانون بقصد منعهم من ممارسة دورهم في التشريع والرقابة. والضرورة تقدر بقدرها فلا يجوز التوسع في تفسير أو تطبيق هذه الحصانة أو التفريط في حماية أعضاء البرلمان.
 المستشار شفيق إمام بدأ القضاء يبسط سلطانه على ما نسب إلى نائبين في المجلس من اشتراكهما في الجريمة المعروفة بجريمة البنغالي، ولكنه لم يسقط عنهما حماية أخرى كفلها الدستور لكل إنسان، وهي افتراض براءته حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع.

وفي سياق الحصانة القضائية التي أسقطها فض دور الانعقاد، فقد كفلتها المادة (111) لكل نائب فيما نصت عليه من أنه «لا يجوز أثناء دور الانعقاد في غير حالة الجرم المشهود أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق والتفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر، إلا بإذن المجلس»، وهي حصانة غير مطلقة، بل حصانة مقيدة، حين يكون القصد من البلاغ أو الشكوى التي يتم اتخاذ الإجراءات الجزائية عنها، منعه من أداء عمله النيابي والحيلولة بينه وبين حضور اجتماعاته أو لجانه، عند مناقشة مسألة أعلن العضو رأيه فيها، وقد يكون صوته مرجحاً لقرار يصدر وفقا للتوقعات التي رصدتها أجهزة الرأي العام، أو قد يقنع غيره من الأعضاء– عند حضوره– بهذا الرأي، وهي لا تبسط حمايتها على عضو البرلمان إلا أثناء دور الانعقاد، وترفع عنه تلقائيا فور فض هذا الدور.

إلا أن النائب السابق عبدالحميد الدشتي أثناء عضويته في المجلس طالب امتداد هذه الحصانة بعد فض دور الانعقاد، على زعم استمرار اجتماعات اللجان في عملها بين أدوار انعقاد المجلس، وأيده وقتئذ النائب سعدون حماد الذي طالب وزير العدل، بإرجاء تقديم طلبات رفع الحصانة إلى دور الانعقاد التالي، بالمخالفة لما تنص عليه المادة (111) من الدستور في استهلال أحكامها بأنه «لا يجوز اثناء دور الانعقاد...»، الأمر الذي يتوجب على وزير العدل أن يقدم طلب رفع الحصانة أثناء دور الانعقاد، وبمجرد إخطار النيابة العامة له بطلب رفع الحصانة، وأن تراخيه في ذلك يستوجب مساءلته سياسيا، بل كذلك جزائيا، إعمالا لأحكام المادة (14) من قانون الإجراءات الجزائية.

ومن الجدير بالذكر أن بعض الأنظمة الدستورية، الأصل العام فيها أن النائب لا يتمتع بحصانة قضائية، ولكن للبرلمان أن يمنحه هذه الحصانة، بناء على طلبه، وبعد فحص الأسباب التي يبديها العضو لمنحه هذه الحصانة.

الجرم المشهود والأحكام القضائية

كما أن الحصانة القضائية، لا ترفع عن النائب، ويتم اتخاذ كل الإجراءات الجزائية ضده ومحاكمته في حالة الجرم المشهود، إعمالا لأحكام المادة 111 من الدستور التي استثنت هذه الحالة من تمتع النائب بالحصانة القضائية.

لذلك كان قصيا عن الجادة عصيا على التقبل من أستاذ جامعي في لقاء على قناة الرأي، الاستدلال بالمادة (111) من الدستور للحيلولة دون تنفيذ أحكام قضائية جزائية نهائية وباتة، بإدانة بعض أعضاء المجلس، على زعم أنهم يتمتعون بتلك الحصانة.

وهو رأي يخالف أحكام المادة 111 من الدستور،، لأنه إذا كان العضو الذي ضبط في حالة تلبس، لا يتمتع بأي حصانة قضائية، فلا يسوغ عقلا ومنطقا أن يتمتع بهذه الحصانة، من أدين بحكم قضائي نهائي، والأحكام عنوان الحقيقة، فضلا عما ينطوي عليه هذا الرأي من عدوان على استقلال القضاء، لأن جوهر استقلال القضاء هو تنفيذ أحكامه.

احترام أحكام القضاء جوهر استقلاله

وأن من عناصر استقلال القضاء وحماية العدالة واحترام مبدأ سيادة القانون والدولة القانونية، احترام أحكام القضاء فلا يجوز وقف تنفيذها أو الامتناع عن ذلك أو تعطيلها، إلا من خلال الإجراءات التي وضعها القانون للطعن عليها من خلال درجات التقاضي المختلفة.

وقد سجل تاريخ القضاء الأميركي للرئيس أيزنهاور أنه أصدر قراراً بإرسال قوة من الجيش الأميركي إلى ولاية أركنساس تحملها الطائرات لتنفيذ حكم أصدرته المحكمة العليا الأميركية، وأمر حاكم الولاية الحرس الوطني بالتصدي لتنفيذ هذا الحكم ومنع هذا التنفيذ.

الحصانة ضرورة تقدر بقدرها

فالأصل العام هو المساواة أمام القانون وأمام القضاء فيما نصت عليه المادة 29 من الدستور من أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم، متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»، وتشمل الحقوق التي يتساوى فيها الناس حق التقاضي المنصوص عليه في المادة 166 من الدستور.

لذلك كان النص على الحصانة القضائية في الدساتير والقوانين المعاصرة هو ضرورة لحماية المسيرة البرلمانية من الكيد أو التعسف في اتهام أعضاء البرلمان كذباً بارتكاب أفعال يجرمها القانون بقصد منعهم من ممارسة دورهم في التشريع والرقابة والضرورة تقدر بقدرها فلا يجوز التوسع في تفسير أو تطبيق هذه الحصانة أو التفريط في حماية أعضاء البرلمان.

وغني عن البيان فإن الأحكام الشرعية في أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية تقرر مبدأ المساواة، في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، وفي قول الرسول– صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»، ويقول أيضا «الناس سواسية كأسنان المشط»، ولا تشمل المساواة أمام القانون والقضاء الرعية وحدها، بل تشمل آل النبي والولاة، لا تفريق بين شريف ووضيع، وقد قال الرسول- صلى الله عليه وسلم: «لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها»، وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رجلا شكا ابن عمرو بن العاص أنه ضربه، فأمر سيدنا عمر، رضي الله عنه، الشاكي بضرب ابن الأكرمين، بعد أن دعاه هو وأبوه إلى مجلس الخليفة.

back to top