الهند... بين الأحلام باقتناء طائرات بلا طيار والواقع

نشر في 20-10-2020
آخر تحديث 20-10-2020 | 00:00
 ذي دبلومات كانت الاشتباكات الأخيرة في "ناغورنو كاراباخ" كفيلة بتجديد السؤال حول فاعلية مركبات القتال الجوية بلا طيار في الحروب، واستناداً إلى الصور المبهرة التي تظهر فيها مشاهد تدمير الدبابات الأرمنية ومواقع المدفعيات عبر طائرات أذربيجانية بلا طيار، يظن الكثيرون أن هذا المشهد يعكس تغييراً في طبيعة الحرب ويزيد الضغوط على القوات الآلية، لا سيما في ظل غياب التفوق الجوي، تابعت الهند بدورها مسار الصراع بين أرمينيا وأذربيجان عن قرب وتحاول قواتها العسكرية استخلاص الدروس من هذه الأحداث في حين تسعى إلى اقتناء مركبات القتال الجوية بلا طيار.

تعليقاً على استعمال الطائرات بلا طيار خلال اشتباكات "ناغورنو كاراباخ" ورداً على سؤال من مجلة "إيكونوميك تايمز"، يقول قائد القوات الجوية الهندية راكيش كومار سينغ بهادوريا: "الطائرات بلا طيار جزء مهم من عمليات الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية، ويكون دورها خلال المرحلة التحضيرية لأي صراع بالغ الأهمية أيضاً، لكن حين يبدأ الصراع، قد تتعرض لهجوم الأعداء".

تُعتبر تعليقات بهادوريا أساسية فيما تناقش الهند خيار شراء طائرات مسلحة وغير مسلحة بلا طيار من الولايات المتحدة، ففي شهر يوليو من هذه السنة، عدّلت إدارة ترامب نظام رفض الرقابة على الصادرات للسماح ببيع طائرات بلا طيار تتحرك بسرعة أقل من 800 كلم في الساعة، مما يُمهّد لبيعها إلى الهند، وقد وافقت الولايات المتحدة على بيع 30 طائرة بلا طيار من نوع "سي غارديان"، لكن يذكر تقرير صحافي هندي أن الأميركيين يشعرون بالقلق حتى الآن من بيع طائرات "بريداتور بي" إلى الهند لأنهم يخشون أن تتسرب هذه التكنولوجيا إلى روسيا عن طريق "نظام الأنظمة".

كذلك تذكر التقارير الإخبارية الهندية الحديثة أن الهند، غداة المواجهة المستمرة مع الصين في "لاداخ"، تُخطط أيضاً لاقتناء أعداد إضافية من طائرات "هيرون" الاستطلاعية بلا طيار من إسرائيل، تزامناً مع تسليح نحو 90 طائرة أخرى قيد التشغيل، ولا تزال إسرائيل الموردة الرئيسة لطائرات الاستطلاع بلا طيار في الهند، كما حاولت نيودلهي أيضاً أن تطلق تجارب على طائرات استطلاع بلا طيار من نوع "رستم 2" غداة اندلاع أزمة "لاداخ"، وهو تطور بارز بعد إطلاق طائرات "رستم 1" للمرة الأولى في 2010. ستتوقف معظم النقاشات حول اقتناء الهند لطائرات بلا طيار وحول خصائصها وأعدادها اليوم على ضوابط الميزانية غداة انتشار فيروس "كوفيد19"، وحتى الدروس المستخلصة من اشتباكات "ناغونو كاراباخ"، لكن الأسئلة المتعلقة بفاعلية الطائرات المسلحة بلا طيار في الهند أصبحت مطروحة منذ الآن نظراً إلى قدرات الخصوم، ومن المعروف أن مركبات القتال الجوية بلا طيار تناسب العمليات الحاصلة في بيئات غير متنازع عليها نسبياً وتتماشى مع حد أدنى من الدفاعات الجوية (الوضع مختلف حتماً في المواجهات مع باكستان أو الصين)، لكن يبرز في الوقت نفسه سؤال سياسي حول إمكانية التحكم في مستوى التصعيد العسكري.

رغم كثرة الكلام في وسائل الإعلام الهندية عن دور طائرات "ريبر" في اغتيال قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني في بغداد بضربة جوية أميركية في يناير الماضي (مما يعني أن تتمكن الهند، في حال اقتناء هذه الطائرات، من إطلاق عمليات مشابهة ضد العناصر المتمركزة في باكستان)، لا تهتم باكستان فعلياً بإقدام الهند على استخدام طائرة بلا طيار أو طائرة مقاتلة لاستهداف أفراد أو جماعات على أراضيها لأنها ستردّ بالطريقة نفسها على نوعَي الهجوم.

ربما تلغي مركبات القتال الجوية بلا طيار معادلة أساسية من حسابات المخاطر الكامنة وراء أي سيناريو مرتبط بالضربات الجوية، أي احتمال مقتل الطيار أو القبض عليه كما حصل مع طيار هندي كان يقود طائرة مقاتلة في شهر فبراير من السنة الماضية، لكنّ استخدام هذه المركبات قد يُشجع أيضاً استعمال القدرات الهندية في مجال الطائرات المسلحة بلا طيار ضد باكستان، ما يؤدي إلى زيادة مخاطر تصعيد الوضع. في الوقت نفسه، تابعت الصين اكتساب قدرات مضادة للطائرات بلا طيار، منها أدوات الحروب الإلكترونية بالإضافة إلى إمكانات أخرى، ومن المستبعد أن تُحدِث مركبات القتال الجوية الهندية فرقاً كبيراً في أي صراع مع الصين. قد تستفيد الهند في المقابل من اقتناء طائرات مسلحة بلا طيار شرط أن تكون أصغر حجماً، على غرار طائرة "فالكيري إكس كيو-58" التي يبلغ طولها تسعة أمتار، إذ تكون هذه المركبات على شكل أسراب من "الأجنحة الوفية" للطائرات التي يقودها البشر. في هذا السياق، يَصِف المحلل بول تشار منافع حشد الطائرات بلا طيار جماعياً على اعتبار أن هذه الخطوة "تسمح بجمع أعداد كبيرة من عناصر قليلة الكلفة ويسهل الاستغناء عنها ويمكن استعمالها للتفوق على الأعداء. هذا الخيار يغيّر النزعة القائمة منذ وقت طويل حيث ترتفع تكاليف الطائرات المقاتلة مقابل تخفيض أعدادها"، لكن للأسف، تكثر التقنيات التجريبية التي لا تزال بعيدة عن متناول القاعدة العسكرية الصناعية المحدودة في الهند.

*أبهيجنان ريج

back to top