إيران أمام معضلة صعبة في صراع ناغورنو كاراباخ

نشر في 16-10-2020
آخر تحديث 16-10-2020 | 00:02
رئيس أذربيجان إلهام علييف- آية الله علي خامنئي
رئيس أذربيجان إلهام علييف- آية الله علي خامنئي
ينتمي ربع سكان إيران إلى العرق الأذربيجاني، ويتقاسم هذا البلد أكثر من 400 ميل من حدوده مع أذربيجان، وتُعتبر الطائفة الشيعية النسخة الرسمية من الإسلام في البلدين، وبالتالي يُفترض ألا يكون الخيار صعباً جداً على إيران عندما يخوض البلد الواقع في شمالها الحرب.

لكن تتعدد الأسباب التي تدفع إيران إلى التفكير ملياً قبل الانحياز إلى أذربيجان في صراعها المستجد مع أرمينيا، حيث تتقاسم أرمينيا نحو 27 ميلاً من الحدود مع الجمهورية الإسلامية وتؤدي دوراً إيجابياً باعتبارها الدولة المسيحية الوحيدة في جوار إيران المثقلة بالعقوبات.

يشكّل الإيرانيون من أصل أرمني الأغلبية الكبرى من الأقلية المسيحية في البلاد ويبلغ عددهم أكثر من 150 ألفا من أصل 84 مليون نسمة، وفي ما يخص الأذربيجانيين، ما من رقم دقيق عن أعدادهم، لكنه يتراوح بين 10 و20 مليون نسمة وفق بعض المصادر.

في مدينة تبريز في شمال إيران، نزل عشرات الإيرانيين الأذربيجانيين إلى الشوارع احتجاجاً على موقف الدولة الحيادي من الحرب، وتظاهر آخرون في طهران وراحوا يطلقون شعارات داعمة لجيش جمهورية أذربيجان، وعبّرت وزارة الخارجية في مناسبات عدة عن الموقف الإيراني الرسمي من هذا الصراع، فدعت الطرفين إلى ضبط النفس وعرضت تأدية دور الوساطة بينهما.

صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، لوكالة "رويترز" في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع: "حضّرت إيران خطة لها إطار عمل محدد وتشمل التفاصيل اللازمة بعد التشاور مع طرفَي النزاع، أذربيجان وأرمينيا، وستحرص على متابعة هذه الخطة".

تجدر الإشارة إلى أن إيران، رغم عرضها تأدية دور الوساطة وامتناعها عن الانحياز إلى طرف دون سواه، تعترف رسمياً بمنطقة "ناغورنو كاراباخ" المتنازع عليها كأرض أذربيجانية وتدعو أرمينيا إلى الانسحاب منها، فقد عبّر المتحدث باسم الرئاسة الإيرانية، علي ربيعي، عن هذا الموقف وتبنّى علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية للمرشد الأعلى الإيراني، الموقف نفسه ولو بطريقة غير رسمية، فكرر وجهة النظر هذه في صحيفة "كيهان" (يُقال إن رئيس تحريرها هو أحد المقرّبين من آية الله علي خامنئي).

لم يُعلّق خامنئي، الإيراني الأذربيجاني، على هذه التطورات بعد لكن أصدر عدد من ممثليه في منطقة شمال غرب إيران المأهولة بسكان أذربيجانيين بياناً أعلنوا فيه دعمهم لأذربيجان في هذا الصراع.

كذلك، شدّد الموقّعون على البيان (إنهم ممثّلو خامنئي في محافظات أردبيل وأذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وزنجان) على انتماء "ناغورنو كاراباخ" إلى أذربيجان واعتبروا تحرك حكومتها لاسترجاع المنطقة عملاً مشروعاً بالكامل بموجب أحكام الشريعة، كما أنه يتماشى مع أربعة قرارات صادرة عن مجلس الأمن.

في السياق نفسه، أعلن ممثل خامنئي في جمهورية أذربيجان، علي أكبر عجانجاد، خلال خطابٍ له في 3 أكتوبر أنه مستعد للذهاب إلى "ناغورنو كاراباخ" والقتال إلى جانب الشباب الأذربيجاني حتى الاستشهاد.

حتى الآن، يبدو موقف إيران غير متماسك، لكن يتّكل صانعو القرار في طهران على عامل الوقت لابتكار حل يسمح لهم بالتخلص من الحاجة المُلحة للانحياز إلى طرف معيّن لأنهم سيواجهون تداعيات سلبية بغض النظر عن الجهة التي يختارونها.

إذا قررت طهران دعم أرمينيا، فلن يكون التعامل مع التداعيات الداخلية سهلاً بأي شكل نظراً إلى التأييد الواسع الذي تحظى به أذربيجان وسط الأذربيجانيين داخل إيران، ولا شك أن علاقات البلد مع أذربيجان ستتأثر سلباً.

هذا الوضع قد يزيد قوة إسرائيل على الحدود الإيرانية، علماً أنها دعمت أذربيجان عبر بيع الأسلحة لها، فمنذ بضعة أسابيع، عقدت إسرائيل اتفاقاً لتطبيع علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، مما يمنحها قدرة غير مسبوقة على الوصول إلى مياه الخليج العربي.

وفي 30 سبتمبر، أسقطت الدفاعات الجوية الإيرانية طائرة بلا طيار اخترقت الأجواء المحلية، وتخشى طهران الطائرات الأذربيجانية بلا طيار لأن باكو اشترت معظمها من إسرائيل، وفي 2014، لامت إيران أذربيجان من دون تسميتها مباشرةً لأنها شكّلت قاعدة لإطلاق طائرة إسرائيلية بلا طيار تزعم طهران أنها أسقطتها بالقرب من منشأة شديدة الحساسية للتخصيب النووي في نطنز، وسط إيران.

امتنع المسؤولون الإيرانيون عن تسمية أذربيجان، لكنهم صرّحوا بأن الطائرة بلا طيار جاءت من "جمهورية سوفياتية سابقة تقع شمالاً"، وأنكرت الحكومة الأذربيجانية هذا الادعاء واعتبرته موقفاً "استفزازياً"، كما أن إيران تريد أيضاً أن تنتهي هذه الحرب قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة بسبب التقارير الحديثة التي تتكلم عن إقدام تركيا على نقل مقاتلين سوريين للقتال إلى جانب أذربيجان.

أكّد تقرير بقلم سلطان كنج في موقع "المونيتور" صحة تلك الأنباء وشدد على تحويل المقاتلين السوريين المدعومين من تركيا إلى فرقة عمل إقليمية مستعدة للتدخل في أي مكان تتورط فيه أنقرة. هذا التطور وحده كفيل بإثارة قلق طهران لأنها لا تتقبل انتشار هذا النوع من القوات بالقرب من حدودها، وبرأي إيران، يطرح هذا الوضع تهديداً على استقرار حدودها الشمالية ويعطي تركيا ثقلاً لا يمكن قبوله في المنطقة المحيطة بها.

كذلك، تفيد تقارير أخرى بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى الاستفادة من انشغال روسيا بصراعات أخرى لتوسيع دوره في هذا الصراع.

وتشعر طهران بالقلق من تدفق المقاتلين إلى طرفَي الحدود، حيث يشكّل توجّه مقاتلين مسيحيين أرمن من لبنان وسورية إلى أرمينيا للمحاربة إلى جانب القوات العسكرية الأرمنية في "أرتساخ" (اسم المنطقة باللغة الأرمنية) تهديداً طويل الأمد على الاستقرار وانعكاساً واضحاً لهشاشة المشرق العربي.

قد يتمدد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان إلى حدود الجمهورية الإسلامية لأسباب عدة، وتحاول طهران استباق هذا الوضع عبر إرسال قوات عسكرية إلى المناطق الحدودية.

نتيجةً لذلك، أصبح وعد الأوساط الإسلامية في إيران بالحفاظ على استقرار البلد لتبرير تورطها في صراعات بعيدة، كما في سورية والعراق، مُهدداً اليوم، ويترسخ هذا التهديد نظراً إلى تنوع اللاعبين الناشطين على الطرف الآخر من الحدود.

يُعتبر الاقتصاد عنصراً آخر يثير قلق صانعي القرار في إيران، إذ تتصاعد الضغوط مع مرور الأيام بسبب العقوبات الأميركية المتزايدة. تتوسع المخاوف في طهران أيضاً نتيجة الخطة الرامية إلى ربط المدينة الإيرانية المرفئية الجنوبية تشابهار بروسيا عبر سكة حديد تعبر في أذربيجان، وعلى الجانب الأرمني، يوضح خط أنابيب الغاز الممتد على 90 ميلاً أن إيران لا تستطيع هذه المرة تحديد موقفها بناءً على خياراتها المفضلة بكل بساطة.

خلال التسعينيات، أنتج الصراع على "كاراباخ" معضلة من نوع آخر لإيران، فأدت طهران حينها دور الوساطة بين البلدَين حديثَي العهد، مع أنها كانت أكثر ميلاً إلى الجانب الأذربيجاني، ويتّضح هذا الواقع في مذكرات الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني وفي تقارير أخرى كثيرة من إعداد مسؤولين إيرانيين كانوا شهوداً على أحداث تلك الفترة.

ووفق تقرير نشره موقع "أخبار المشرق" التابع للحرس الثوري الإيراني، سهّلت إيران نقل مئات المقاتلين الأفغان إلى أذربيجان للقتال إلى جانب حكومة الرئيس الراحل حيدر علييف، والد الرئيس الحالي إلهام علييف، لكن خلال أقل من سنتين، انتهى تحالف علييف مع الإيرانيين، فدعاهم إلى الرحيل وأطلق حملة قمعية ضد "الحزب الإسلامي"، حليف طهران الأساسي، ثم اعتُقِل قادة ذلك الحزب بتهمة تلقي التمويل من طهران.

بعد عام 1994، أصبحت إيران أقرب إلى الجانب الأرمني بسبب خلافاتها السياسية مع علييف، لكن يتابع المتطوعون الإيرانيون اليوم التدفق إلى أذربيجان للقتال إلى جانب الأذربيجانيين في حربهم ضد أرمينيا، وقد قُتل عدد من المقاتلين الإيرانيين ودُفنوا في مواقع عدة حول جبهة الحرب.

*علي هاشم

back to top