حسن عبدالله: العمل الإعلامي استحوذ على طاقتي الإبداعية

أصدر أخيراً كتابه «دمعة ووردة على خد رام الله»

نشر في 14-10-2020
آخر تحديث 14-10-2020 | 00:03
تعود مدينة رام الله لترفرف بجناحيها من جديد على أفق الأديب والكاتب الفلسطيني حسن عبدالله، عبر كتابه الصادر حديثا (دمعة ووردة على خد رام الله)، حيث سبق له إصدار كتاب "رام الله تصطاد الغيم" عام 2010. وفي كتابه الجديد، يصف رام الله: "لا وقت رام الله يشبه وقتها، ولا المكان يشبه مكانها، بستان سامر يغتسل بعبق الجوري في الشروق والغروب"، ويؤكد الكتاب أن عبدالله كاتب مسكون بالمكان.
وفي حواره مع "الجريدة" من القاهرة، يقول: "العلاقة بالمكان تشكِّل هاجسي، ‏لأنني أعتقد أن جدلية العلاقة بين الكاتب والمكان، ‏هي التي تبلور وتشكِّل التجربة بسماتها وقسماتها. تنبهت لذلك أيضاً خلال إعدادي وتقديمي برنامج (عاشق من فلسطين)، ‏حيث ركَّزت في الحوارات مع ذوي التجارب الثقافية والإبداعية على المكان، ‏سواء تعلَّق ذلك بمدينة، أو قرية، أو مخيم، أو حتى المعتقل"، وإلى تفاصيل الحوار:
● "دمعة ووردة على خدِّ رام الله" إصدارك الجديد، خصصت له جهداً بحثياً في السنوات الأخيرة حول العلاقة بالمكان، ماذا تقول عنه؟

- العلاقة بالمكان تشكِّل هاجسي، ‏وأنا دائما أحاول ‏أنسنة المكان، ‏أي أن المكان في نصوصي الأدبية ‏وحواراتي ‏الإعلامية ليس حجارة جامدة‏ أو شوارع وطرقات لا ترى ولا تسمع، ‏بل إنه يحس ويرى ويتفاعل ‏ويبعث طاقته في الناس.

‏وفي كتابي "‏رام الله تصطاد الغيم"، تحدَّثت عن رام الله المكان في طفولتي وشبابي، ‏وتحدَّثت عنها في فترة الرجولة الناضجة، مفترضاً أن هناك نضجاً ‏يحققه الإنسان بثقافته وخبراته، ‏في إطار سيرورة وصيرورة حياتية. وقد نظرت إلى رام الله- المكان القديم بنوع من الحنين والحزن، بعد أن اكتسحت رام الله الحديثة "العلب الاسمنتية" ‏على حساب الشجر وجمال المدينة الأخاذ ‏الذي كان يجذب الزائرين من كل الوطن.

في كتابي "البستان يكتب بالندى" تحدَّثت عن المكان؛ الشجر والحجر والطبيعة، ‏من خلال بستاني في "رافات" ‏القرية المجاورة لرام الله، ‏وأجريت حوارات مطوَّلة مع الأشجار، والورد، والنباتات، وبسبب ذلك هناك مَن أطلق عليَّ ‏اسم "الرجل الشجري"، ‏من ‏‏فرط ‏حبي للشجر.

أما كتابي "دمعة ووردة على خدِّ رام الله"، ‏الصادر عن الكلية العصرية ‏الجامعية، فهو مجموعة من القصص التي كتبت في بداية الحجر من "كورونا"، وبروز ‏تخوفات البشرية من خطر هذا الفيروس، ‏لاسيما في الشهرين الأولين. ‏والنصوص عبارة عن نصوص مكانية بامتياز، ‏حيث يتضمَّن كل نص جولة حقيقية في المكان كنت قد ‏وثقتها من قبل، لتضاف إليها جولة خيالية ‏من خلف طاولة مكتبي في بيتي،‏ حيث تجولت بشوارع وأسواق رام الله، ‏وأجريت حوارات متخيلة، ثم ‏ما بين الحقيقي والمتخيل اجترحت ‏نصوصي المكانية الجديدة.

الخيال والحقيقة

● تضمن كتابك أماكن مثل رام الله والبيرة والقدس وعمان ودمشق ونابلس وبيت لحم وغيرها، وقمت بزيارتها في الواقع والخيال، كيف استطعت المزج بين الخيال والحقيقة؟

- كما أوضحت في إجابتي عن السؤال الأول، بأن كل نص من النصوص التي تضمنها الكتاب أبرز زيارتين؛ واحدة حقيقية، والثانية خيالية خلال الحجر من "كورونا"، ليخرج النص مازجاً بين الزيارتين. وفي الأساس، فإن كل مدينة أو بلدة كتبتُ عنها، انطلقت من زيارتي الحقيقية، أي مما كتبت في السابق على خلفية الزيارة، لتأتي النصوص وقد زاوجتْ بين الحقيقة والخيال، لكن في إطار الطوفان في المكان، كانت نقطة الارتكاز المكانية رام الله، حيث أسكن وأعيش، وحيث ماضيّ وحاضري، أذهب إلى بيت لحم التي تحتضن ذكريات دراستي الجامعية، ثم أعود إلى رام الله المكان، أزور القدس وأمارس طقوسي الروحية في شوارعها وأزقتها وساحاتها، وأعود إلى رام الله المكان.

قارنت في نصوصي بين ستة أمكنة متشابهة بين رام الله وعمان، والقواسم المشتركة بينهما في البنايات، والأسواق، والشوارع، وكذلك نمط الحياة وبين دمشق ونابلس، والتشابه في الأسواق وعادات الناس، لاسيما أن بعض الرحالة أطلق على نابلس "دمشق الصغرى"، وقاربت بين الأسواق القديمة في مدينة وجدة المغربية، وأسواق القدس العتيقة، وكان المكان بما يمتاز به من خصائص هو سيِّد الموقف في نصوص "دمعة ووردة على خدِّ رام الله".

نشاط أكاديمي

● صدر كتابك "دمعة ووردة على خد رام الله" عن الكلية العصرية الجامعية، ولم يصدر عن اتحاد كُتاب أو مؤسسة ثقافية تُعنى بالنشر، هل من مغزى لذلك؟

- اضطلعت الجامعات الفلسطينية في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بدور ثقافي مهم، وأسهمت على مستوى النشر والنقد في تنشيط وتفعيل الحالة الثقافية والإبداعبة وتطويرها، لكن هذا الدور تراجع في العقدين الأخيرين، وانحسر دور الجامعات في الأكاديمي التعليمي. وفي السنوات العشر الأخيرة حاولت بعض مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، ومنها الكلية العصرية الجامعية، استعادة هذا الدور، وتم تأسيس منتدى العصرية الإبداعي التابع للعصرية الجامعية، الذي أخذ على عاتقه إسناد العملية الأكاديمية ببُعد ثقافي إبداعي، من خلال نشر الكتب وعقد الندوات وورش العمل، واستضافة الكُتاب، وإطلاق كتبهم وتكريمهم. إصدار كتابي يأتي في سياق هذا الدور، الذي نأمل أن يستمر ويتسع، خصوصاً إذا ما تم تدعيم العملية الأكاديمية ببُعد ثقافي وإبداعي، حيث إن التكامل بين الجانبين سيفضي إلى تجربة أكاديمية ثقافية نوعية.

● ماذا أضاف الإعلام لتجربتك الأدبية؟ وماذا أخذ منها؟

- أضاف إليها الكثير، كالمعرفة والأسئلة القلقة والتوق للحصول على إجابات، وطول النفس والجلد، والسعي الدؤوب لمعرفة الحقيقة، حتى لو كان الوصول إليها صعباً وشائكاً. وأضاف إليها كذلك فضول الإعلامي، الذي لا يستكين ولا يكتفي بالمعلومة الناقصة المبتورة، فقد عملت في الصحافة المكتوبة محرراً ثقافياً وأدبياً، إلى جانب الكتابة في السياسة والإعلام التلفزي واظبت إلى جانب عمل رئيس التحرير، على مدى خمسة عشر عاماً على إعداد وتقديم برنامج ثقافي، مثل: "المجلة الثقافية" و"البيدر" و"عاشق من فلسطين"، أي أنني لم أبتعد طيلة عملي الإعلامي عن الأدب والثقافة، لكن عليَّ أن أعترف بأن العمل الإعلامي استحوذ على نصيب كبير من طاقتي الكتابية الإبداعية، وأحياناً كانت المقالات والتحليل السياسي على حساب إنتاجي الأدبي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه طيلة عملي في الإعلام، لم أخلط بين أسلوبي الإعلامي وأسلوبي الأدبي، وحرصت على أن يكون لكل مجال منهما مفرداته ومفاتيحه، مع إبقاء الباب مفتوحاً للتفاعل والإفادة والتكامل.

ثقافة وسياسة

● إلى أي مدى نجح الأدب الفلسطيني في التعبير عن القضية الفلسطينية؟ وما أهمية الثقافي الإبداعي مقارنة بالسياسة؟

- بعد اعتقالات وتجربة سياسية، لا سيما في انتفاضة عام 1987، كان أمامي خياران؛ إما أن احترف العمل السياسي، أو الثقافي، وقررت أن أختار أحدهما كعمل استراتيجي أكرِّس جهدي وقدراتي، فاخترت الثقافي، وانتصرت لموهبتي الكتابية، وقلت لنفسي: "كثيرون يستطيعون العمل في السياسة إذا ما تم تدريبهم وصقلهم، لكن العمل الإبداعي يحتاج إلى موهبة خاصة، وهذه الموهبة، وبتواضع شديد، متوافرة لديَّ، فلماذا أضيعها في تقلبات وتكتيكات السياسي".

وقد أنجزت بعد أن حسمت خياري للثقافي والإبداعي بشكل نهائي منذ ما يقارب ثلاثة عقود عدداً من الكتب الأدبية الإبداعية، إلى جانب دراسات ثقافية وإعلامية، خصصت بعضها لتوثيق وتأريخ وتحليل التجربة الثقافية والإبداعية للمعتقلين الفلسطينيين، لذلك من الطبيعي أن انحاز للتجارب الكبيرة لمبدعينا، وعلى رأسها تجربة الشاعر الكبير محمود درويش، الذي استقال من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واختار التفرغ نهائياً للعمل الإبداعي، ليتحرر من ضغوط السياسي، من منطلق أن هناك عدداً كبيراً من الخبرات الفلسطينية التي بمقدورها أن تشغل موقع عضو اللجنة التنفيذية، لكن مشروعه الإبداعي الذي وصل إلى العالم بأسره يتطلب تفرغاً تاماً، لأن ما قاله محمود درويش عن فلسطين والقضية الفلسطينية - في رأيي- أبلغ وأبقى من خطابات سياسية مطوَّلة انتهى دورها بمجرَّد أن تم الانتهاء من كتابتها أو إلقائها، واليوم كل الناس يتذكرون المتنبي ويتغنون بأشعاره، ولا يتذكرون أياً من الحكام الذين أجهد نفسه وهو يتقرب منهم ليحصل على منصب، دون إدراك منه أن موهبته الشعرية هي الأبقى.

تجربة الأبنودي

● ماذا عن مشاريعك القادمة؟

- بعد أن أصدرت كتابي الأدبي الأخير، عُدت لأمارس الجانب الآخر في تجربتي، وهو الإنتاج البحثي، وخرجت هذه المرَّة من الانغماس في الهمِّ الثقافي والإبداعي والإعلامي الفلسطيني، إلى نطاق عربي أوسع، حيث أتوقع أن أنهي في الأشهر الثلاثة المقبلة دراسة بدأت بها في العام الماضي، وعملت عليها بشكل متقطع، لأعود لاستكمالها مجدداً، وتتناول التجربة الغنائية الإبداعية المشتركة لعبدالحليم حافظ، وعبدالرحمن الأبنودي ببُعديها الوطني والقومي، لأن هذه التجربة لفتت انتباهي منذ سنوات طوال، بما حملته على المستويين الفني والمعنوي، إضافة إلى دورها الاستنهاضي الذي أحدثته، وتحديداً بعد نكسة عام 1967.

الأدب الفلسطيني المعاصر يستشرف الاستقلال والحرية على أنقاض المعاناة والقمع

كتابي القادم عن التجربة الغنائية المشتركة لعبدالحليم حافظ وعبدالرحمن الأبنودي
back to top