وجهة نظر: تباطؤ في استراتيجية النفط لعام 2040... هل من جديد؟

نشر في 12-10-2020
آخر تحديث 12-10-2020 | 00:30
 د. عبدالسميع بهبهاني اطلعتُ على ملاحظات على تقرير ديوان المحاسبة وتعليق مؤسسة البترول الكويتية عليها، كما ورد في العدد 4538 من "الجريدة"، بشأن أسباب تأخر استراتيجية مؤسسة البترول 2040، أهم قطاع اقتصادي في الدولة، ولعل أسباب التأخر، كما في التقرير، غلب عليها التكرار لأكثر من 30 سنة! لكن قبل تحليلها يجب أن نذكر ملاحظتين:

1) تقرير الديوان له أهمية تقتضي أن يُعقد مؤتمر صحافي للحديث عن ذلك، خاصة أن فيه من العوامل التي تتعلّق بالشركات الخاصة المساندة لمشاريع هذه هي الثروة، فضلا عن الثروة التي هي أصلا ملك للمواطن، الذي يجب أن يعرف ماذا يحدث بثروته.

2) أن الديوان لا يقيمّ أصل الحاجة الى الاستراتيجية بتفاصيلها، وإنما يدقّق في آلية تنفيذ الاستراتيجية. وعند البحث عمّن يحدد استراتيجية الدولة للقطاع النفطي تجدها في حقيقتها هي مؤسسة البترول، بينما هي جهة تنفيذية، ويفترض أن يكون المعني هو المجلس الأعلى للبترول بالتعاون مع الأمانة العامة للتخطيط والتنمية!

وببساطة، ننتظر من استراتيجية قطاع النفط زيادة قيمة الثروة النفطية التي لدينا بتطبيقات فنية وتقنية يديرها شباب كويتيون أكفاء، وذلك من خلال:

1) إطالة عمر الثروة بزيادة مخزون النفط والغاز.

2) إنتاج استراتيجي حسب الحاجة المساندة للنمو الاقتصادي، ولا يسّيل برميل النفط إلا بمشروع استثماري!

3) زيادة قيمة الإنتاج بتصنيعه الى مشتقات وتقليص بيع النفط الخام.

4) زيادة الهامش الربحي لبرميل النفط بتقليص الكلف التشغيلية.

5) هندسة الأولويات في القطاع ضمن تلك الأولويات، بمراعاة متغيرات الكلفة الرأسمالية والتشغيلية.

عندما نطبّق هذه القواعد الأساسية، على استراتيجية المؤسسة، نجدها فاقدة للبوصلة باعترافها، فنلاحظ زيادة كلفة المشاريع بصورة فاحشة، لتأخرها بتضخّم مالي يصل الى 300 بالمئة.

ونجد أيضا التورط في مشاريع غير مجدية، كمشروع فارس النفط الثقيل بوجود ثقيل الوفرة، ووجود نفوط خفيفة غير مطورة، والاستكشافات البحرية.

هذا رغم وجود المسوحات والدراسات المكثفة والمتكررة، لكنها فاقدة لأولوياتها. كذالك الانخراط في مشاريع خارجية غير مجدية، مما يدل على عدم خبرة وبُعد نظر في تقييمها.

وهذا مما عرّض تلك المشاريع للفشل والتورط بالتزامات استنزفت أموال استثمارات المؤسسة وأموال الأجيال القادمة، وخير مثال على ذلك المشاريع الخارجية التي قلّصتها المؤسسة، فمشاريع الاستكشافات الخارجية الاستعراضية والسياحية، بحر الشمال (وتصل كلفة إغلاق الحقل المستنفذ فيها فقط الى أكثر من مليار دولار) والرمل الثقيل في كندا وغيرها، ومحطات ومصافي الوقود الفاشلة في أوروبا ومصفاة فيتنام.

أضف الى ذلك مشاريع الوقود البيئي في موانئ الأحمدي وعبدالله وفي الزور، وأخطاءها الهندسية المكلفة، وتأخير المقاولين وتلاعبهم بالوقت وغير ذلك الكثير.

وبعد 80 سنة ما زلنا نتعلّم من استكشاف النفط. فأولويات القطاع مرتبكة بين المجلس الأعلى للبترول، والمجلس الأعلى للتخطيط، ومؤسسة البترول.

لا بدّ هنا من الإشارة الى استراتيجية الدولة في التعامل مع ضجة الطاقة المتجددة ومدى مزاحمتها لمستقبل استهلاك الوقود الأحفوري، وهو شعار يغلب عليه العامل الجيوسياسي (وقد بيّنا ذلك في مقالات سابقة).

وهنا نؤكد أنه ليس من الحصافة أن تطبّق إجراءات تحوط شركات النفط التجارية العالمية من الطاقة المتجددة على سياسة الدولة المالكة للمخزون.

ونعرض هنا 3 ملاحظات في تقدير مستقبل الطلب على النفط:

أولا: انخفاض الصرف الرأسمالي والتشغيلي لشركات النفط العالمية الى أكثر من 60 بالمئة سيؤدي الى انخفاض أكثر من 10 بالمئة من إجمالي إنتاج هذه الشركات، الذي هو 60 بالمئة من الإنتاج العالمي.

الملاحظة الثانية في تقديرات المؤسسات الاقتصادية هي أن دخول السيارات الكهربائية الى الأسواق قد يسلب 5 بالمئة من نمو الطلب العالمي للنفط في 2040، حيث إن هذا التقدير واجه عثرات فنية وتجارية كثيرة لم تحسب في قياس المؤشر المستقبلي لانتشار هذه التقنية.

كذلك أهملت احتمالات دخول تقنيات النقل بالوقود الأحفوري البيئي الذي ظهر أخيرا نموذج منه (كوقود الأمونيا الزرقاء وجيل تحول الخام الى كيماويات CTOC).

فالمبالغة في التفاعل مع مشروع الطاقة المتجدده في دول تملك 65 بالمئة من المخزون العالمي هي دمار ليس للدول المنتجة للنفط فقط، بل للمستهلك أيضا!

الملاحظه الثالثة هي أن الدول ذات المخزون النفطي الضخم، ومنها الكويت، يمكنها أن تتحمل نسبا أعلى من المخاطرة، في الاستمرار بمشاريع النفط، من الشركات الخاصة، وذلك استعدادا للنقص المتوقع في الطلب على النفط بعد عودة زيادة الطلب بعد فتح الاقتصادات العالمية التي بانت بوادرها في نهاية 2020.

إن ملاحظات ديوان المحاسبة ومؤسسة البترول في موضوع تعطل استراتيجية 2040 بالعوامل الخارجية كالمنافسة الشرسة في الأسواق، وعدم تقدير الطلب المحلي، وأمن المعلومات، وتباطؤ المقاولين، هي عوامل هزيلة ومتكررة!

فالمنافسة شرسة لتباطؤنا في السبق لتنفيذ الأفكار، والدراسات والأبحاث لم تعد سريّة، لكنها تحتاج الى من يقرأها ويستوعبها، هذا رغم أن لدينا مركز أبحاث للنفط ومعهد أبحاث، محلية وعالمية.

وبدلا من أن نتفنن في فرض سلعة النفط السهل، عندنا ذهبنا الى تملّق الاستثمار، المبالغ فيه، في الطاقة المتجددة، بل ونقود مشروعا عالميا بذلك.

فالقاعدة أننا ننتظر الآخرين لينجحوا ثم نأتي لنجد الفرص قد فاتت، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على هشاشة الفهم وسوء تقدير المنحنى الاقتصادي للمستقبل. وأسباب تباطؤ الاستراتيجيات هي في حقيقتها سبب واحد، هو عدم قراءة أو استيعاب التقارير الفنية والاقتصادية، ومن ثم تعثّر مشاريعنا المستقبلية لسوء تقدير نسب المخاطرة في تنفيذها، والتي يفترض أنها أكثر سعة في دولة مثل الكويت بمخزونها العالي، من الشركات التجارية العالمية.

وإدارة المؤسسة تقر على نفسها فيما ذهبنا إليه من شمولية التكامل بين الأنشطة الرئيسية والمساندة، وضعف التعاقب الوظيفي وعمليات ليست في مستوى الطموح لمواكبة التحديات واقتناص الفرصة، وكل ذلك بسبب القدرات المحدودة في جديد الأعمال.

كل هذه الأسباب هي لضعف القيادات، ألا يفترض ذلك أن يكون مصدر قلق للقيادة السياسية، وخاصة أن المجلس الأعلى للبترول في صدد إقرار مشروع دمج الشركات النفطية ومن ثمّ عملقتها؟

إن هذا التخبط يمس أهم ثروة تمتلكها الدولة بمخزون افتراضي عمره 50 عاما، ولكن بهذه الفوضى الإدارية المتكررة سيتقلص هذا العمر الافتراضي للمخزون الى أقل من 20 سنة.

* خبير واستشاري نفط

back to top