لا للحرب النووية مع كوريا الشمالية!

نشر في 11-10-2020
آخر تحديث 11-10-2020 | 00:00
 ذي دبلومات منذ بضع سنوات، كادت الولايات المتحدة تخوض حرباً نووية، إذ يذكر كتاب بوب وودوورد (الغضب) أن البنتاغون كان يترقب هجوماً محتملاً من كوريا الشمالية خلال صيف 2017 وفي يناير 2018، حتى أن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس كان يذهب للصلاة في كاتدرائية واشنطن الوطنية لأنه شعر بقلق متزايد من اندلاع حرب قد تقتل ملايين الناس.

لو اندلعت تلك الحرب، لكانت قتلت الملايين فعلاً في سيئول وطوكيو، وفي القواعد الأميركية في المحيط الهادئ، وفي مدن أميركية بعيدة مثل واشنطن ونيويورك، ولحسن الحظ مُنِعت تلك الحرب، لكن يُفترض أن تشكّل تلك الأحداث مؤشراً تحذيرياً حول سهولة أن تخرج الأزمات عن السيطرة.

ثمة مفهومان مغلوطان بشأن كوريا الشمالية وهما تطاردان صناعة السياسة الأميركية حتى الآن:

أولاً، ظن بعض القادة أن أي حرب محتملة ستندلع بعيداً عنهم وأن الأميركيين سيبقون في أمان، لكنه اعتقاد غير صحيح.

ثانياً، يفترض صانعو السياسة من مؤيدي استراتيجية "الضغوط القصوى" أن بيونغ يانغ يمكن إجبارها على تقبّل مطالب واشنطن بنزع السلاح النووي، والأسوأ من ذلك هو اقتناع البعض بأن مهاجمة كوريا الشمالية لإجبارها على الامتثال خيار مقبول، لكنّ مقاربة "الضغوط القصوى" ليست فاشلة فحسب، بل إنها تتجاهل احتمال أن تعتبر بيونغ يانغ تلك الضغوط التي تتزامن مع أزمة عَرَضية تمهيداً لشن الحرب، على غرار ما حصل حين دمّرت واشنطن معمر القذافي في ليبيا أو صدام حسين في العراق.

يبقى نزع السلاح النووي هدفاً يستحق العناء ولو أنه مستحيل على الأرجح.

يريد كيم جونغ أون أن يصمد لفترة طويلة ويبقي عائلته في السلطة إلى أجل غير مسمّى، فهو يعرف أن صانعي السياسة في واشنطن يميلون إلى تأييد استعمال القوة وأن التهديد بإطلاق رد نووي يبقيه بأمان، ولهذا السبب، لن يتخلى يوماً عن ترسانته النووية.

على صعيد آخر، لا تعطي استراتيجية الضغوط القصوى الأثر المنشود بكل بساطة. قد تُدمّر العقوبات اقتصاد بلد آخر ومعيشة الناس فيه، لكن نادراً ما تنجح في إقناع الطرف المستهدف بالامتثال، وحين يكون البلد المعني عنيداً ومنفصلاً اقتصادياً عن العالم مثل كوريا الشمالية، تتراجع آثار العقوبات بدرجة إضافية.

تتعلق مشكلة أخرى بتزامن الضغوط القصوى مع ضغوط عسكرية عبر تكثيف التهديد بالعنف وزيادة التدريبات والرحلات الاستطلاعية، وفي هذا السياق، يذكر كتاب (الغضب) ما يلي: "في 25 سبتمبر، أطلقت القيادة الأميركية هجوماً جوياً صُوَرياً فأرسلت قاذفات "بي-1" وحوالي 20 طائرة أخرى كي تعبر "خط الحدود الشمالي" الذي يفصل بين الكوريتين في البحر. توقفت الطائرات قبل دخول المجال الجوي الكوري الشمالي مباشرةً، ومع ذلك يبقى ذلك التحرك استفزازياً جداً".

وكأن ما حصل لم يكن كافياً! في مرحلة أخرى، يزعم وودوورد أن البنتاغون اعتبر أي عملية قصف في مرفأ كوريا الشمالية كفيلة بتوجيه رسالة مفادها أن كيم مضطر لقبول نزع السلاح النووي، لكن لم يصدر أي قرار بتنفيذ قصف مماثل لحسن الحظ، وأخبر الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن واشنطن بأن الهجوم الجوي الصُوَري تخطى الحدود المسموح بها، وفي غضون ذلك لم تصبح تلك التحركات كلها علنية وبقيت نقاط الاشتعال المحتملة مجهولة أمام صانعي السياسة والشعب الأميركي.

يكون نظام الردع فاعلاً شرط أن يتزامن مع جهود دبلوماسية مناسبة لنزع فتيل الأزمات، أما استراتيجية الضغوط القصوى، فهي تصبح خطيرة عند تطبيقها مع بلد مثل كوريا الشمالية نظراً إلى انحسار الاتصالات الرسمية معها وغياب الخطط التي تسمح بتقليص الاضطرابات، ونتيجةً لذلك، قد يُعتبر أي تحرك استفزازا مقصودا أو إعلاناً للحرب، ويذكر كتاب (الغضب) أن وزير الدفاع ماتيس أدرك هذا التوازن الحساس وكان يخشى اندلاع صراع حقيقي.

من دون إقامة تواصل بين الطرفين، لن يفهم أي فريق الخطوط الحمراء لدى الطرف الآخر وقد يبالغ في تحركاته عن غير قصد، حيث يدرك الشعب الأميركي هذا الواقع لحسن الحظ، فوفق استطلاع جديد أجرته "مؤسسة مجموعة أوراسيا"، يظن 59.4% من الأميركيين أن واشنطن تحتاج إلى "التفاوض مباشرةً مع خصومها لتجنب أي مواجهة عسكرية"، وتقتصر نسبة معارضي هذا التوجه على 40.6%.

يجب أن تُعتبر أزمة صيف 2017 وياير 2018 في المستقبل تحذيراً من احتمال أن تؤدي استراتيجية الضغوط القصوى إلى حرب نووية، كما يزعم وودوورد في كتابه أن كيم جونغ أون صرّح في لقائه الأول مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو بأن بيونغ يانغ كانت مستعدة و"قريبة جداً" من خوض الحرب، ولحسن الحظ لم يتحقق هذا السيناريو على أرض الواقع.

* «جون دايل غروفر»

back to top