خيارات الولايات المتحدة في التعامل مع إيران

نشر في 09-10-2020
آخر تحديث 09-10-2020 | 00:02
لحظة توقيع الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران وأميركا ومجموعة (5+1)
لحظة توقيع الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران وأميركا ومجموعة (5+1)
لتخفيف التوتر ستكون الإدارة الأميركية الجديدة في حاجة الى التعامل مع إيران بدبلوماسية جديدة، ولكن تلك الغاية لن تتحقق بسهولة، كما أن إسرائيل وبعض دول الخليج ستستقبل مثل تلك الخطوة بشيء من القلق أو المعارضة الجلية.
قبل تسعة أشهر فقط أوشكت الولايات المتحدة على الدخول في حرب مع إيران، وعلى الرغم من المتاعب الداخاية الأميركية يتعين أن تحظى إيران بأولوية في سياسة واشنطن الخارجية في العام المقبل.

ومن أجل تخفيف التوتر ستكون الإدارة الأميركية الجديدة في حاجة الى التعامل مع إيران بدبلوماسية جديدة، ولكن تلك الغاية لن تتحقق بسهولة، كما أن إسرائيل وبعض دول الخليج ستستقبل مثل تلك الخطوة بشيء من القلق أو المعارضة الجلية، والأكثر من ذلك تسود عدم ثقة عميقة بين واشنطن وطهران، وعلى الرغم من ذلك قد يوفر الانتقال السياسي الأميركي فرصة لتسوية من نوع ما لأن إيران قد تختبر إمكانات التعامل مع الرئيس جو بايدن أو دونالد ترامب إذا أعيد انتخابه بدلاً من مواجهة أربع سنوات أخرى من العقوبات القاسية.

ويتعين على الولايات المتحدة أن تبدأ بإجراء مفاوضات حول اتفاقية تشتمل على خفض برنامج إيران النووي وتخفيف التوترات الإقليمية، وعليها بعد ذلك التفاوض حول متابعة الاتفاقية النووية مع إيران التي تم التوصل اليها في عام 2015 ومعالجة بعض الخلافات الإقليمية الأساسية.

دروس الماضي

سيكون مسار عمل الإدارة الأميركية الجديدة التي ستتسلم الحكم في العام المقبل مختلفاً تماماً عن إدارة الرئيس باراك أوباما التي فاوضت حول الاتفاق النووي مع إيران، ولكن الإدارة الأميركية الجديدة تستطيع تعلم دروس قيمة من تجربة إدارة أوباما في مفاوضات ذلك الاتفاق ومن انهياره بعد انسحاب إدارة ترامب منه.

وقد برهن الاتفاق أن في وسع الولايات المتحدة وإيران التوصل إلى اتفاقية للحد من التسلح ولكن مسار اتفاق عام 2015 يظهر أيضاً أن أي اتفاق لا يعالج سياسة إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط قد يفشل لأنه سيواجه بمعارضة من جانب إسرائيل ودول الخليج وكل الجمهوريين وبعض الديمقراطيين أيضاً.

ولكن الاعتراف بهذه الحقيقة لا يعني اقتصار الاتفاق النووي على تخلي إيران عن كل مصالحها في الشرق الأوسط كما وردت في شروط وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في عام 2018 من أجل رفع العقوبات عنها.

وقد أظهر مسار إدارة ترامب مع إيران مدى قوة الولايات المتحدة الاقتصادية، وهي سمة تمنحها قوة نفوذ لافتة مع مرونة للقيام بتنازلات عند الضرورة.

عدم التصعيد أولاً

من المتوقع فوز المتشددين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في شهر يونيو من العام المقبل ولكن الرئيس حسن روحاني البراغماتي الذي فاوض فريقه في اتفاق عام 2015 النووي سيستمر في منصبه لأول ستة أشهر من عام 2021 وقد يوفر ذلك فرصة ضيقة لخفض التصعيد نظراً لخبرة الفريق في المفاوضات مع الجانب الأميركي.

جدير بالذكر أنه لا بايدن ولا ترامب سيبرم اتفاقية تاريخية خلال وجود الرئيس روحاني في الحكم ولكن عدم تحقيق أي تقدم يعني خسارة فرصة محتملة لتحسين العلاقات الثنائية ويتعين على الولايات المتحدة خلال فترة الشهور الستة المذكورة العمل على وضع ترتيبات أولية تخفف من التوترات الإقليمية وتمنع تقدم برنامج إيران النووي.

ومن أجل وضع الترتيبات المشار إليها ستكون واشنطن في حاجة الى القيام بخطوات تهدف الى خلق الثقة مثل إلغاء حظر السفر من إيران واستثناء طهران من العقوبات الأميركية التي تسمح لها بمعالجة الاحتياجات الإنسانية الناجمة عن انتشار وباء كورونا.

ويتعين على إيران والولايات المتحدة بعد ذلك العمل على اتفاقية تهدئة توقف طهران بموجبها هجمات عملائها على القوات الأميركية في العراق، وفي مواقع أخرى في الشرق الأوسط إضافة الى هجمات الألغام والصواريخ ضد ناقلات النفط والبنية التحتية الحيوية، ويتعين على الحكومة الأميركية بعد ذلك تحديد كيفية متابعة الفقرة المتعلقة بالنشاط النووي في تلك الاتفاقية، وقد تحاول إدارة بايدن دفع الولايات المتحدة وإيران الى العودة الى اتفاق عام 2015 ومن شأن ذلك تحجيم برنامج إيران النووي ومساعدة واشنطن على إصلاح علاقاتها العابرة للأطلسي.

ولكن مثل هذه الحصيلة ستنفر بصورة دائمة المجموعة المعارضة للاتفاقية والتي تشمل إسرائيل والسعودية وأعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، وربما تسهم تلك التداعيات في تعقيد دبلوماسية المستقبل مع إيران التي قد لا ترغب شريحة المتشددين فيها في العودة الى تفاهم مع واشنطن خلال فترة قريبة من الانتخابات بغية عدم توفير فرصة نصر لجناح الرئيس روحاني.

اتفاقية قصيرة الأجل

ربما تقرر الإدارة الأميركية الجديدة اتباع خطة تهدف الى التوصل الى اتفاقية قصيرة الأجل تطلب من إيران تجميد برنامجها النووي في مقابل حصولها على إعفاء محدود من العقوبات الأميركية وقد يجد خصوم اتفاق عام 2015 هذه الحصيلة أكثر قبولاً لأنها تبقي على مزيد من العقوبات على إيران في المرحلة الأولية، وتجدر الاشارة الى أن عودة الولايات المتحدة الى اتفاق إيران النووي لعام 2015 أو التفاوض حول بديل جديد ستتوقف على قرار طهران في المقام الأول.

الاتفاق الأولي لخفض التصعيد سيحول دون حدوث أي أزمة قبيل موعد الانتخابات في إيران وسيوفر الوقت للولايات المتحدة من أجل تطوير استراتيجية شاملة بالتشاور مع شركائها ومع الكونغرس، وسيكون في وسع الأطراف المعنية العمل على مسارات متوازية تشمل التركيز على خفض تصعيد وتيرة التوترات الإقليمية ومتابعة الاتفاق النووي.

وستكون إيران والولايات المتحدة وأعضاء 5+1 في حاجة الى إطار عمل للقيام بجهد مشترك ويتعين على واشنطن توفير دعمها ومشاركتها في تسهيل حوار متعدد الأطراف حول قضايا مهمة بالنسبة الى المنطقة، وبالنسبة الى الشركاء الإقليميين تشير الجهود الأميركية الرامية الى المشاركة في مثل ذلك الحوار الى التزام مهم، وبالنسبة الى إيران فإن مشاركة لاعبين دوليين ستشير الى أن الولايات المتحدة لن تكون الوحيدة التي تفرض شروطها في ذلك الحوار.

ويتعين أن يتمثل الهدف الإجمالي في دعم عملية يمكن أن تفضي الى حلول دائمة ولكن الأهداف الأولية يجب أن تكون متواضعة، وأن تبدأ باتفاق عملي وضيق، ويرجع ذلك الى أن صيغة تشتمل على أجندات حافلة وتدخلات رسمية ستكون أقل احتمالاً للنجاح من الصيغة الأكثر مرونة مع وجود اجتماعات متعددة ومجموعات اتصال أصغر حجماً، والجانب المهم هنا هو قيام الولايات المتحدة وبالتنسيق مع مجموعة 5+1 بالاستثمار في دبلوماسية جدية في مثل ذلك الحوار.

جدير بالذكر أن ذلك الحوار يمكن أن يرسي ركيزة لمشاركة بناءة حتى مع إسهامه في استقرار الشرق الأوسط في الأجل الطويل، كما أنه من خلال الحوار المذكور يمكن لدول المنطقة السعي الى بلوغ اتفاقية عدم تدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وفي الوقت نفسه يمكن لتلك الدول تبني إجراءات تعاونية من أجل مكافحة وباء كورونا والقضايا الصحية الأخرى ومواجهة الكوارث الطبيعية وتغير المناخ.

وإضافة الى ذلك، يمكن للحوار أن يسهم في خفض التصعيد في العمليات البحرية في منطقة الخليج عن طريق عدة آليات ومعالجة قضية الحد من التسلح عبر تقليص شحن الأسلحة الهجومية التقليدية، بما فيها الصواريخ، والحد من تزويد الدول بوسائل التخصيب النووي للأغراض السلمية ووضع طرق كشف عامة لهذه الغاية. وتجدر الإشارة أيضاً الى ضرورة إنهاء الحروب الأهلية في سورية واليمن وخفض التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في العراق وأفغانستان.

ويتعين على الولايات المتحدة ومجموعة 5+1 في الوقت ذاته إشراك إيران في مفاوضات المتابعة الخاصة ببرنامجها النووي والأولوية في هذا السياق يجب أن تتمثل في تمديد إيران لشروط الاتفاق النووي لعام 2015 في مقابل حصولها على قدر أكبر من الإعفاءات من العقوبات الأميركية والتي تشمل تحويل الأموال الإيرانية الموجودة في البنوك الأجنبية، وذلك عن طريق نظام مالي أميركي أو تخفيف الحظر الأميركي المباشر.

تقدم القضايا الإقليمية

وإذا حققت المفاوضات الخاصة بالقضايا الإقليمية تقدماً يتعين على الولايات المتحدة إظهار مرونة في الإعفاء من العقوبات وبالمثل فإن التعثر على المسار الدبلوماسي الإقليمي سيؤثر على المحادثات النووية، ولكن يتعين على أي من المسارين ألا يحتجز المسار الآخر رهينة، وبعض تلك المحادثات، مثل تلك المتعلقة ببرنامج إيران الصاروخي أو الاتفاقيات الإقليمية حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية قد تعطل المسارين معاً.

ومن أجل نجاح هذه الاستراتيجية يتعين على الولايات المتحدة إقناع إسرائيل ودول الخليج، وخصوصا السعودية والإمارات– والكونغرس الأميركي للقيام بدور بناء، كما أن على الولايات المتحدة طمأنة شركائها في الشرق الأوسط أنه فيما يظل برنامج إيران النووي أولوية فإن واشنطن ستشدد بقدر أكبر على القضايا الإقليمية وبدرجة أفضل من الماضي.

جدير بالذكر أن الكونغرس الأميركي قد يمثل صعوبة أكبر أمام إدارة بايدن إذا سعت الى إعادة المفاوضات مع إيران كما يتعين على بايدن إقناع الكونغرس بأنه يسعى الى معالجة الاتفاق النووي والصواريخ الباليستية والقضايا الإقليمية مع التأكيد على أن إدارته ستعيد فرض العقوبات إذا دعت الضرورة.

*أليسا كاتالانو أيورس

إيران قد تختبر إمكانات التعامل مع الرئيس جو بايدن أو دونالد ترامب إذا أعيد انتخابه بدلاً من مواجهة أربع سنوات أخرى من العقوبات القاسية

الكونغرس قد يمثل صعوبة أكبر أمام إدارة بايدن إذا سعت الى إعادة المفاوضات مع إيران
back to top