تقويض ترامب للديمقراطية قد يمزق أميركا

نشر في 03-10-2020
آخر تحديث 03-10-2020 | 00:05
دونالد ترامب-جو بايدن
دونالد ترامب-جو بايدن
نحن نعلم أن ديمقراطية الولايات المتحدة ستكون على المحك في شهر نوفمبر المقبل، ولكن ماذا عن الولايات المتحدة نفسها؟ ومن المحتمل أن تتعرض سلامة البلاد للخطر وهو مسار يزداد وضوحاً مع مرور الأيام، وفي الأسبوع الماضي سئل الرئيس ترامب إذا كان سيلتزم بانتقال سلمي للسلطة في حال تعرضه للخسارة في الانتخابات الرئاسية وكان جوابه: "حسناً، يتعين علينا الانتظار لرؤية ما سيحدث". وفي وقت لاحق قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الرئيس سيقبل طبعاً نتائج "انتخابات حرة ونزيهة"، ولكن هذه الجملة تشتمل على غموض لأنه ماذا لو قرر ترامب أن الانتخابات "لم تكن حرة ونزيهة"؟ وبعد كل شيء فإن الرئيس قال مراراً وتكراراً إن الوسيلة الوحيدة لتمكين جو بايدن من الفوز في معركة الرئاسة هي من خلال تزويرها.

وقد أوضح بارتون غيلمان وهو صحافي يعمل مع صحيفة "ذي أتلانتيك" كيفية حدوث ذلك في مقالة له في الأسبوع الماضي تحت عنوان "الانتخابات التي يمكن أن تمزق أميركا"، وجدير بالذكر أن الكثير من الأخطار أصبح مألوفاً الآن، وقد عمد الحزب الجمهوري الى تجهيز أرض الملعب لحرمان المرشح الديمقراطي من الحصول على أكثرية الأصوات كما أغرق مكاتب البريد بالرسائل من أجل منع الانتخاب بالبريد– والذي يرجح فوز بايدن– من الظهور في الوقت الملائم.

مخطط فريق ترامب

وبمجرد أن يتم إغلاق مراكز الاقتراع سيعلن فريق الرئيس ترامب قبول تصويت من شاركوا بصورة شخصية فقط– وتشير الأرقام السابقة الى تقدم الحزب الجمهوري في تلك العملية إضافة إلى محاولة فريق الرئيس منع احتساب أصوات الناخبين سواء عن طريق دعاوى قضائية أو إثارة قلاقل واضطرابات شعبية، وهي وسيلة كانت ناجحة تماماً في عملية إعادة فرز أصوات الناخبين في ولاية فلوريدا في عام 2000.

ويقول غيلمان إن الرئيس ترامب لن يقر فقط بالهزيمة وإنه سيستخدم كل السلطات المتاحة له من أجل "منع ظهور نصر حاسم لمنافسه جو بايدن حتى إن تطلب تحقيق ذلك منع الإعلان عن أي نتيجة على الإطلاق".

من جهة أخرى، توجد في جعبة الحزب الجمهوري حيلة لم يتحدث أحد عنها حتى الآن وتتمثل في جانب فني من العملية الانتخابية، ويمكن أن تمضي على النحو التالي: لقد تم اختيار الرئيس الأميركي من جانب هيئة انتخابية تضم ممثلين عن الولايات الخمسين، وطوال أكثر من قرن من الزمن كان يتم اختيار أولئك الممثلين بحيث يعكسون الفائز في الاقتراع الشعبي في الولاية، ولكن مسؤولين في الحزب الجمهوري لاحظوا مسألة في غاية الأهمية وهي عدم وجود ما يتطلب العمل عبر تلك الطريقة في الدستور الأميركي. ومن هذا المنطلق فإن الهيئات التشريعية- وهي البرلمانات الصغيرة في كل ولاية- تملك سلطة اختيار الممثلين أنفسهم.

في غضون ذلك، تجدر الاشارة الى أن الحزب الجمهوري يسيطر على المجالس التشريعية في أكثر 6 ولايات أهمية، وإذا أعلنت تلك المجالس عدم ثقتها في حصيلة فوز بايدن فلن يكون هناك ما يمنعها من اختيار مقترعين موالين للرئيس ترامب بحجة أن تلك الخطوة تمثل الإرادة الحقيقية لسكان الولاية المعنية.

مثل مناورة لوكاشينكو

واللافت أن تلك العملية تبدو مثل مناورة لوكاشينكو والانقلاب على الديمقراطية، وهي الحصيلة الثابتة بكل تأكيد، ولكن على الرغم من ذلك يوجد بعض مسؤولي الحزب الجمهوري الذين يتحدثون بشكل رسمي عن تفكيرهم في القيام بمثل تلك الخطوة.

ولكن من المؤكد أن المحكمة العليا الأميركية لن تسمح بحدث ذلك وخصوصا بعد أن شغر مقعد القاضية روث بادر غنسبرغ التي توفيت في الثامن عشر من الشهر الجاري، كما أن الرئيس ترامب يجهد لتعيين خليفة لها بأقصى سرعة، وذلك بأمل مساعدته في أي خلاف قد ينشأ حول قضايا انتخابية في الوقت الراهن، وهو لا يخفي غايته هذه ويشدد على سعيه الى تحقيقها.

وتكمن المشكلة الحقيقية في عجز الديمقراطيين عن تحجيم رئيس وحزب لا يخجلان من اجتياح كل حدود الديمقراطية بغض النظر عن سمة النفاق التي تواكب تصرفاته والتي اشتهر بكونها يصعب التنبؤ بها، وفي مارس من عام 2016– على سبيل المثال– رفض الأعضاء الجمهوريون في مجلس الشيوخ الموافقة على جلسة استماع حول اختيار باراك أوباما لشخصية في المحكمة العليا بحجة أن ذلك غير ملائم في سنة انتخابية، واليوم يحشد أولئك الأعضاء جهودهم لعملية الاختيار الجديدة على الرغم من أننا نبعد مجرد أسابيع فقط عن يوم الانتخابات الرئاسية.

أكثرية جناح اليمين

وتشير الأرقام الى وجود أكثرية من 3 الى 6 من جناح اليمين في المحكمة العليا على استعداد لاتخاذ قرارات بالغة الأهمية حول الرعاية الصحية وإحباط أي إجراء يتعلق بأزمة المناخ، والأكثر من ذلك، أن مقعد المحكمة العليا يسري مدى الحياة والكثير من أولئك القضاة من جناح اليمين في سن الشباب بشكل نسبي، ولذلك فإن وضع الأكثرية قد يستمر عقودا طويلة من الزمن.

والسؤال المثير للقلق الشديد يتمثل اليوم في فرضية منح أكثرية الجمهوريين في إحدى الولايات ولاية ثانية للرئيس ترامب في تجاهل تام للناخبين، وماذا ستكون الحال إذا قررت أكثرية المحكمة العليا (3– 6) حظر الإجهاض في كل أنحاء الولايات المتحدة؟

وتبرز المشكلة في أن مجلس الشيوخ يختار القضاة وتتساوى الولايات في التمثيل حيث تحصل ولاية وايومنغ (600 ألف نسمة) على درجة تمثيل تعادل ولاية كاليفورنيا (40 مليون نسمة تقريباً) وبحسب الاتجاه السائد سيحصل 70 في المئة من الأميركيين على تمثيل 30 عضواً في مجلس الشيوخ في حين تحصل الأقلية (30 في المئة) على 70، وعندما يتعلق الأمر بالرعاية الطبية أو التخلص من السلاح في الشوارع ستخضع الأكثرية الحضرية والمتنوعة الى رفض (فيتو) من جانب الأقلية الريفية البيضاء والمحافظة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو الى متى يمكن أن تستمر هذه الحال؟ والى متى تستطيع امرأة في ولاية كاليفورنيا على سبيل المثال قبول وجود السلاح وغياب حقوق الإجهاض لأن ذلك هو ما تريده الأقلية في ولايات ذات تمثيل مرتفع؟ لقد بدأت شريحة تتسم بالتفكير الجدي بطرح ذلك السؤال. ويقول غاري غيرستل وهو أستاذ التاريخ الأميركي في جامعة كامبريدج إنه وجد نفسه يقرأ عن دول كانت تتمتع بديمقراطية لكنها فقدتها في وقت لاحق، وإنه يفعل ذلك من أجل "فهم مستقبل أميركا".

ويتساءل غيرستل ما إذا كانت الولايات "الزرقاء" ستمضي في مسارها المبتعد عن الحكومة الفدرالية، كما أن رئيس بلدية نيويورك أندرو كومو أعلن في الآونة الأخيرة أنه لن يقبل أي علاج تقترحه الحكومة الفدرالية لمواجهة وباء كورونا إلا بعد قيام خبراء من نيويورك باختبار ذلك اللقاح أولاً. ويقول غيرستل إن ذلك يمثل نذيراً للأشياء التي يمكن أن تحدث في المستقبل ومنها عدم قبول ولايات منشقة بقرارات تصدرها واشنطن.

ويطرح الكاتب المحافظ ديفيد فرنش في كتاب جديد بعنوان "الانقسام يفضي الى السقوط" فكرة الانفصال، وهو يذكر بمقالة صدرت عن أندريه أمالريك في عام 1970 وتساءل فيها: هل يتمكن الاتحاد السوفياتي من البقاء حتى عام 1984؟ وكان ذلك السؤال غريباً في ذلك الوقت ولكن بعد 21 عاماً من طرحه تعرض الاتحاد للانقسام والتمزق، وهو ما يؤكد النظرة القائلة إن البحار تعلو والإمبراطوريات تهوي، وحتى الولايات المتحدة ليست في مأمن.

*جوناثان فريدلاند

فور إغلاق مراكز الاقتراع سيعلن فريق الرئيس ترامب قبول تصويت المشاركين بصورة شخصية فقط
back to top