يبقى صباح الكويت مشرقاً

نشر في 03-10-2020
آخر تحديث 03-10-2020 | 00:30
 خالد حسين الشطي من الغبن بمكان أن يُساوى رجل الدولة بغيره، ويقاس المصلح المجدد مع سواه.

الشيخ صباح الأحمد كان رجلاً من النوع الأول، وهذه حقيقة جهلها أو غفل عنها كثيرون، حتى من محبيه ومقرَّبيه، حسبوه حاكماً مثل سائر الحكَّام، وأميراً في عرض أقرانه من شيوخ آل الصباح الكرام، إذ لكلّ حاكم منهم خصوصيته، لكنّ الحق أنه كان مختلفاً.

فليس ما كان يسعى إليه من تجديد البنية التحتية وتفجّر المشاريع الحيوية ووضع الكويت على عتبة عصر جديد عنوانه «المركز المالي»، ما يستبق أو يخلق لعهد «اقتصاد من دون نفط»، ولا حفظه التوازن الإقليمي واستخلاصه الكويت من سياسة المحاور القاتلة.. هو إنجازه الأبرز، بل هناك الأهم والأكبر!

إنه النجاح في ترسيخ مكانة الدولة، وشخص رأسها، في المعادلة السياسية المتشظية، بفعل حركات الثورة الخفيّة والانقلابات المصنَّعة تحت غطاء حراك الربيع العربي، والكيد والفجور الظاهر في دور أعمدة الفساد وأركان الفتنة في الدولة العميقة!

فبأداء رصين حازم، استطاع الراحل الكبير أن يُبلِغ القاصي والداني، ويُفهم الجميع، من قريب وبعيد، أن للسفينة ربّاناً وللبلاد حاكماً، هو الرأس فيها، وأنَّ القوة الوحيدة التي تصنع القرارات في الكويت هي الدولة بمؤسساتها الدستورية، ومنها التمثيل الشعبي عبر مجلس الأمة.. لا تيارات ضاغطة هنا، ولا أحزاب حاكمة أو متطلعة ومتعطشة للحكم، تعبث بالبلاد وفق أجندات خارجية تموّلها وتساندها، فإذا عجزت عن الانقلاب وأخفقت في الثورة وإسقاط الدولة، رأيتها تضغط وتُملي وتفرض، بما يعينها في مشروعها الشيطاني الخبيث، ويخدم أهداف أسيادها ومموّليها.

الشيخ صباح الأحمد قالها بالعمل قبل اللسان، مَن أراد التغيير فهذه مؤسسات الدولة الدستورية أمامه، وحقّه مكفول وكرامته مصونة، ولكن دون أن يطغى على حق غيره، سواء من الشرائح الأخرى للمجتمع الكويتي كان، أو من قوى وسلطات دستورية، والندوة البرلمانية كفيلة بحفظ التوازن والاستقرار، وإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه. والذين أرادوها بالسواعد والفوضى والتخريب والقوة، وباقتحام مواقع النظام واحتلال مباني مؤسساته، وغير ذلك من مظاهر الاستخفاف بالدولة، غير مبالين بالفتنة التي يشعلون والنار التي يوقدون... هؤلاء، ومن خلفهم، وجدوا يداً رادعة تصدُّهم، وتوقفهم عند حدِّهم.

الشيخ صباح الأحمد بأدائه الحكيم، أفهمهم بأنّ لغيرهم حقوقاً كما لهم، وللتيارات الأخرى قواها التي لو أرادت مجاراتكم بأساليبكم، لاشتعلت الفتنة وسقطت البلاد في البلاء، فتدخَّل، يرحمه الله، عبر الدستور والقانون، لا غيرهما، وأطفأ النار وأخمد الفتنة.

لم يوظِّف رجل الدولة وباني الكويت الجديدة، المدنيَّة العصرية، المتحررة من الإسلاموية المتاجرة بالدين، زوَّار الليل، ولا استعان بالأقبية المظلمة، إنّما كان القانون وكانت السلطة القضائية والمحاكم المستقلة، التي أنزلت بدورها العقاب، ولاحقت النار بالإطفاء والإخماد، وكانت يد الشعب باسم الأمير، تضرب على يد الجاني لتصدُّ الفوضى وتمنع الخراب.

واللحظة الكويتية اليوم، وهي تتجاوز المحنة، وتتخطّى تداعياتها، وقد حسمت الدولة الأمر، بأمانة ووفاء رجالاتها، وخاب ما تضافرت عليه وتعاضدت أيدٍ قريبة وبعيدة، صديقة وعدوة، تترقب لحظة الشماتة وتنتظر الانتكاسة! تعود بالفضل الأول إليه، ليلحقه أخوه ويكمل مسيرته، فإلى رضوان الله وجنانه يا أبا ناصر، وبوركت كفٌّ بايعتك يا سمو الأمير يا أبا فيصل.

شخصياً، قد يسعني الآن أن أتحدّث عن علاقتي بالفقيد المرحوم دون حذَر مخاطر الاستغلال أو الاستعراض.

لم تكن تربطني به ولا بأيّ شيخ من الأسرة الحاكمة أية علاقة، فضلاً عن صلة خاصة، وقد نجحت في الانتخابات دون دعم أيّ مركز قوة أو حزب أو تيار سياسي، الشعب هو الذي حملني إلى المجلس، وهو صاحب الفضل الوحيد عليَّ في ذلك، لستُ مديناً لأحد، كما لست في وارد استثمار شخصي يعوِّض ما صرفت وبذلت من أموال حتى أصل، فالرقم لا يستحق الذِّكر، وهو من التواضع بما يعسر على بعضهم هضمه وتصديقه، وطالما كان سبباً للتندّر والسخرية بين الإخوة الزملاء!.. وقد شعرت أن هذا - دون غيره - هو ما أسّس لعلاقتي بالراحل الكبير. وجدته قريباً لمّا وجدني منقطعاً عن هذا وذاك، ليست لديّ مطالب شخصية ولا أجندة غير الوطن، والعدالة للمواطن، لا دولة أجنبية تدعمني، ولا حزب سياسي أو ديني يؤازرني، ولا مراكز قوى تدفعني لهذا الموقف وذاك.. هذا ما كان سموه يريده من أبنائه، وهذا ما كان يُكسبهم ثقته واحترامه، فيحظون بقربه ويتجاوزون كتلاً متراكمة من التشويه والشحن الإعلامي الذي يمارس ضد أي حرٍّ مستقلٍّ.

وإنّما أعمد إلى بيان ذلك، تقديماً للنصح لجميع الناشطين في الميدان السياسي والاجتماعي، ولا سيّما الشباب، بأنّ أمامهم فرصة للتقدم في خدمة وطنهم، والارتقاء في ذلك إلى ذرى أمانيهم، ولكنّ عليهم أن يتنبهوا ويحذروا قوى الشر التي تريد استغلالهم، ويتجنَّبوا مهاوي النفعية الشخصية ومساقطها، عندها سيجدون أبواباً مشرعة، وصدراً رحباً يسع الجميع.

عظّم الله لنا ولكم الأجر بالفقيد الكبير، وجعلها الله خاتمة أحزان الكويت، وبوابة عهد جديد مبارك، يكمل المسيرة وينقل البلاد إلى ما يتمنّاه كل كويتي، مخلص وفيّ.

* عضو مجلس الأمة الكويتي

back to top