راحلٌ لن يغيب

نشر في 02-10-2020
آخر تحديث 02-10-2020 | 00:30
 يوسف الجاسم على قدر مساحاته الشاسعة في أرجاء الخرائط الوطنية والإقليمية والعربية والقاريّة، وعلى قدر مساكنه في قلوب أبناء شعبه وشعوب العالم، وعلى قدر نفحاته ومآثره الإنسانية المنثورة في أصقاع المعمورة، كان ثقل خبر رحيله الصادم لدنيا لم يستقبل أمير الإنسانية صباحاتها إلّا بالتفاؤل وسعة الأفق، وتفقد دمعة طفل ليمسحها ترفقاً، أو صرخة ملهوف لنجدتها، أو شرارة نارٍ بين أخ وأخيه ليهب لإخمادها.

كان القائد والأب والأخ والقريب لكل كويتي وكويتية، لذا تدفّقت براكين الحزن والجزع على رحيله من أعماق قلوبهم، وكيف لا، وكلّ منهم يرى أنّ له من روح الراحل قطعة من محبة وحنان ووفاء. وهو لكل منهم القائد والأب الحنون؟

شاركهم في أفراحهم وتصدّر احتفالاتهم، وواساهم في أتراحهم وملمّاتهم، وردّد: "كيف لي أن أرتاح وأنا أشعر أنكم غير مرتاحين؟ وكيف لا أقلق وأنا أشعر بأنكم قلقين؟"

وأطلق زفرة الأب المكلوم ظهيرة ذات يوم جمعة رمضاني قائظ، حين توسّط أنقاض مسجد الصادق بعد دقائق من تفجيره الإرهابي، "هاذولا عيالي"، فكيف لا أكون بينهم أضمّد جراحهم وألملم أشلاءهم؟

في العشرينيات من عمره كان ضمن كوكبة من أبناء أسرة الحكم الذين دفع بهم مؤسس دولة الدستور الراحل الكبير الشيخ عبدالله السالم، طيّب الله ثراه، إلى معترك مسؤوليات إدارة الوطن بمرحلة التأسيس في خمسينيات القرن الماضي، فشكّلت تجاربه الكبرى مع إخوته وأقرانه من الأمراء وكبار الشيوخ خميرة شخصيّته الفذة في إدارة الدولة بشتّى مناحيها، وبالأخصّ الأبعاد الدبلوماسية، ليصبح قائداً استثنائياً بين قادة ورؤساء دول العالم، وليضاف اسمه إلى أسفار الخلود، وليكتسب اللقب الأممي المستحق (قائد العمل الإنساني)، لقب لم يحظَ به سواه، بعد أن جعل من وطنه دوحة للعطاء الإنساني لنجدة بني البشر المحتاجين، بصرف النظر عن ألوانهم وأديانهم وأطيافهم.

أمير المحبة والإنسانية والثقافة وتأليف القلوب، رحل مودعاً بغيوم الأحزان الثقيلة في محيطه الوطني والعالمي بثقل ما ملأ دنياه وشغل عوالمه بالعطاءات والمبادرات والتميّز، وبقدر ما وضع وطنه الكويت في بؤرة عيون الدنيا.

قائد من مثل المغفور له صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، طيّب الله ثراه، رحل ولكنه لن يغيب على مدى الزمان... وعزاؤنا لخلفه صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، سائلين الله له السداد والتوفيق على خطى سلفه الكبير، وأسرة الصباح الكرام، ونعزي أنفسنا بوالد الجميع.

وإلى الله المعاد..

back to top