رياح وأوتاد: مع البنك المركزي خلافاً لتقرير اللجنة الإعلامية

نشر في 28-09-2020
آخر تحديث 28-09-2020 | 00:10
 أحمد يعقوب باقر وجه البنك المركزي خطاباً إلى الحكومة شدد فيه على: "أنه ما لم تتخذ إجراءات صحيحة وجدية وملموسة في جانب الإصلاحات المالية والاقتصادية فلن تتمكن الكويت من تحقيق الاستقرار الاقتصادي واستدامة الرخاء للمجتمع، وستشهد مزيداً من التخفيض للتصنيف الائتماني السيادي، ومن ثم مزيدا من التداعيات السلبية على الأوضاع الاقتصادية والمالية".

وهذا التحذير مهم جداً وخطير، وقد سبقه تحذير المحافظ السابق سالم عبدالعزيز الصباح، وكذلك جميع التقارير الاقتصادية التي درست الوضع المالي والاقتصادي الكويتي، والتي أكدت أننا أمام قنبلة موقوتة، وأننا سنصطدم بحائط (داعمين طوفة)، ولم يخالف هذه الحقيقة إلا بعض غير المتخصصين وبعض أعضاء مجلس الأمة الذين كانوا يؤكدون أنه لا وجود للعجز، واستمروا في زيادة الإنفاق الجاري والكوادر وإنشاء الهيئات المستقلة والملحقة التي لا حاجة حقيقية لها، ولم يشرعوا قانوناً واحداً يزيد إيراد الدولة، كما لم يفلحوا مع ذلك في مكافحة الفساد ووقف الهدر.

وعلى الشعب الآن، وقد اتضحت الحقائق، أن ينهض بالبلاد في الانتخابات القادمة عبر نواب يأتون بإصلاح اقتصادي حقيقي يزيد دخل الدولة، ويوفر فرصاً وظيفية للأعداد الهائلة من الخريجين.

كما وجه البنك المركزي رسالة اعتراض على ما قامت به لجنة شؤون التعليم والإعلام في مجلس الأمة التي ألغت النص الذي: "يحظر نشر ما من شأنه التأثير في قيمة العملة الوطنية أو ما يؤدي إلى زعزعة الثقة بالوضع الاقتصادي للبلاد"، من قانون المرئي والمسموع، ولا شك أن "المركزي" برفضه تعديل اللجنة إنما أراد حماية العملة الوطنية، وهي إحدى أسس الاقتصاد الوطني من أخطاء غير المتخصصين وعبث المزايدين وبعض الناشرين.

ولكن اللجنة لم تكتف بذلك وألغت من القانون محظورات أخرى، أي أنها لا تريد حظرها ومن أخطرها التعديل الوارد على المادة 11 والمادة 13.

المادة 11:

تحتوي المادة 11 على 13 فقرة من المواد التي يحظر نشرها أو عرضها، ولكن اللجنة حذفت 9 فقرات، وأبقت على حظر المساس بالذات الإلهية (فقرة 1) والذات الأميرية (فقرة 3)، ونشر المواد والاتصالات والاجتماعات السرية (7-9) مع دمجهما، وألغت الفقرات الأخرى التي تبين باقي المواد المحظورة، فقد ألغت:

1- الفقرة الثانية الخاصة بالتحريض على قلب نظام الحكم.

2- الفقرة الرابعة الخاصة بتحقير وازدراء الدستور والتحريض على مخالفة أحكامه.

3- الفقرة الخامسة التي تمنع إهانة وتحقير رجال القضاء.

4- الفقرة السادسة التي تمنع خدش الآداب العامة والتحريض على مخالفة النظام العام.

5- الفقرة الثامنة التي تمنع التأثير على قيمة العملة الوطنية.

6- الفقرة العاشرة التي تمنع المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم الخاصة.

7- الفقرة الحادية عشرة التي تمنع الدعوة إلى الحض على الكراهية أو ازدراء أي فئة في المجتمع.

8- الفقرة الثانية عشرة التي تمنع المساس بالحياة الخاصة للموظف أو نسبة أي أقوال أو أفعال غير صحيحة له تنطوي على الإساءة إليه.

9- الفقرة الثالثة عشرة التي تمنع الإضرار بالعلاقات الكويتية مع غيرها من الدول.

وحجة اللجنة في هذا الإلغاء هي وجود مواد مشابهة للمواد الملغاة في قانون الجزاء، وقد وافقت وزارة الإعلام في اجتماعات اللجنة على إلغاء 3 فقرات، وهي الفقرة 4 والفقرة 8 والفقرة 12، ووافقت على إلغاء نصف المادة العاشرة (كرامة الأشخاص وحياتهم الخاصة)، ورفضت إلغاء باقي الفقرات.

خطورة إلغاء هذه الفقرات بحجة وجود مثيل لها بقانون الجزاء:

ورأي اللجنة بإلغاء هذه الفقرات باطل من عدة وجوه:

- الأول: أن نصوص قانون الجزاء تختلف في الصياغة عن هذا القانون ولا يوجد تماثل بين بعض أجزاء الفقرات المحذوفة مع نصوص قانون الجزاء، فالفقرة العاشرة مثلاً التي تنص على تجريم المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم الخاصة، لا يوجد نص مماثل لها في قانون الجزاء الذي يجرم السب والقذف والإهانة، ومن المعروف دستوريا أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانون، وكذلك الفقرة 12 التي تمنع المساس بالحياة الخاصة للموظف أو نسبة أي أقوال أو أفعال غير صحيحة له تنطوي على تجريح أو إساءة له، فلا يوجد نص مماثل لهذا النص في قانون الجزاء، وكذلك باقي الفقرات لا يوجد تماثل دقيق لها في قانون الجزاء.

- الثاني: أنه ليس ثمة ضرر من تشابه القوانين، فكثير من القوانين فيها نصوص متشابهة وأبرزها قانون اللائحة الداخلية للمجلس التي كررت بعض مواد الدستور، لذلك تكرر كثير من القوانين جملة: (مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد وردت في قانون آخر).

- الثالث: أن تقرير اللجنة وقع في تناقض عجيب، إذ كيف يستقيم القول إن الإلغاء هو لمزيد من الحريات مع الإبقاء على نصوص مشابهة في قانون آخر؟

لقد تشدق التقرير أن عمل اللجنة هو لمزيد من الحريات فقاموا بإلغاء بعض الفقرات بحجة أن الفقرات نفسها موجودة في قانون الجزاء، أي أن مواد التضييق على الحريات بحسب زعمهم لا تزال موجودة في قانون الجزاء.

- الرابع: أن هذا الإلغاء قد يلزم القاضي بعدم الرجوع إلى قانون الجزاء باعتبار أن قانون المرئي والمسموع قانون خاص والمعروف أن القانون الخاص يقيد العام.

- الخامس: أن النيابة العامة إذا دفعت بمخالفة المادة المرئية أو المسموعة لقانون الجزاء أمام القضاء فسيقوم المحامون بالدفع بالاحتكام إلى قانون المرئي والمسموع وحده، باعتباره القانون الخاص محل التطبيق، هذا سيسبب كثيراً من الارتباك في المحاكم وسيطيل إجراءات التقاضي إلى أن تحسمه محكمة التمييز.

- السادس: أن تعبير "النظام العام والآداب العامة" ورد في المادة 49 من الدستور، ومن المؤسف أن ينص تقرير اللجنة على أنه مفهوم غامض غير محدد وفيه شبهة دستورية، ومن المعروف أن محكمة التمييز هي التي تضع المبادئ القانونية عند الخلاف، فلا يوجد مبرر بالقول بالغموض أو عدم التحديد.

المادة 13:

من المستغرب أن تصرح اللجنة أنها ألغت عقوبة السجن عن المواد المحظورة، والحقيقة أن القانون الأصلي ليس فيه عقوبة السجن إلا في فقرة الذات الإلهية وفقرة التحريض على قلب نظام الحكم، وهي الفقرة التي ألغتها اللجنة، أما عدا ذلك من الفقرات فليس في النص الأصلي عقوبة السجن، أي أن تصريح اللجنة مجرد زعم دعائي لا صحة له.

الخلاصة:

إن الفقرات التي وضعت سابقاً في قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع الحالي كان القصد منها حفظ استقرار البلاد واقتصادها والحفاظ على كرامة الناس، ومنع الإساءة إليهم أو إلى خصوصياتهم وحرياتهم، وكذلك منع نشر الفوضى في البلاد بتبادل الاتهامات والإساءات في وسائل التواصل، والملاحظ أن هذه الآفات قد انتشرت في زماننا هذا، وقد بين النبي، صلى الله عليه وسلم، أن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الكعبة، لذلك كان على اللجنة أن تضع كرامات الناس فوق كل اعتبار، وتشدد العقوبة على المسيئين لها، خصوصاً وقد انتشرت آفات اللسان في زماننا، وأصبحت الحماية منها واجباً شرعياً ووطنياً وقانونياً.

لذلك يجب رفض هذه التعديلات حرصاً على الوطن وكرامة المواطن.

back to top