نقطة: التاريخ يتزوّر جدامنا

نشر في 25-09-2020
آخر تحديث 25-09-2020 | 00:20
 فهد البسام دكتور يطرح نفسه كمثقف وسياسي وعميق، يخلط المرحوم زيد بالحابل والمغفور له عبيد بالنابل، ويدّعي أن الفقيدة سندريلا، رحمة الله عليها، كانت تعشق علي بابا وتنوي الارتباط به، رغماً عن تدخلات الأربعين حرامي في اللحظات الحرجة، وأن الذئب العميل كاد يلتهم المرحومة سعاد حسني لولا أن أنقذها عشيقها الشهيد البطل إبراهيم سعفان، بعد أن انصاع لمشورته بعكس إرادة القوى العظمى آنذاك، والناس تستمع وتستمتع بهذا الهراء الاستراتيجي، وغالباً لا تدقّق، ومع الوقت والتكرار ستصبح هذه "الحواديت" مسلّمات لا تقبل النقاش والتفكير.

سياسي آخر يعتبر نفسه محترماً أزعجنا بالصراخ عن الحريات وشعارات حقوق الإنسان والمتاجرة بالبشر، وإلى آخر الموال المعروف، وفي المقابل كل ممارساته وتصويتاته واقتراحاته ضد ما ينادي به تماماً، وستبقى السُّمعة المزيفة خالدة، والفعل ستطويه الملفات، "جماعة" يستحي المنتمون لها من الاعتراف بانتمائهم، لكنّهم لا يستحون في الوقت نفسه من تبرير مواقفها المخزية، بدءاً من تحالفها التاريخي مع السلطة مروراً بموقفها من احتلال بلادهم، وصولاً لانسحابهم التكتيكي من الحراك الأخير وتركهم للرفاق في العراء ينتظرون الفرج، ثم بعد ذلك لا يخلد "للجماعة" في الذاكرة الشعبية العاطفية إلا شعاراتها المتنوعة عن الشعوب وحقوقها والمبدأ والثبات وبقية التشكيلة الشعاراتية اللذيذة والمعاكسة تماماً لممارساتها الفعلية على الأرض، حتى المجرم صدام حسين ذاته أصبح هناك مَن يبرر له في هذه الأيام كل جرائمه، فقط لأنه أطلق صاروخين على إسرائيل، بل ويعتبره بطلاً لن يعوّض، وهناك من سيصدق ذلك لأجيال قادمة.

كل ذلك وأكثر يجري بموازاة القصص الموسمية القصيرة السريعة، كحكاية القاتل الذي تحول إلى بطل، أو الحرامي الفاسد المستتر الذي يحارب الحرامي الظاهر ويسمونه إصلاحياً ومنقذاً، أو المنافق النصاب الذي صار محترماً لمجرد إلقائه كلمتين عن الإسلام والمسلمين، أو العنصري الذي أصبح وطنياً لأنه انتقد عنصريين لا يقلون سوءاً عنه، ولا ننسى بالطبع مخلّصي المعاملات المخالفة صباحاً، والمنادين مساءً بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ودولة المؤسسات، والذين لا نعلم في أيّ صفحة بالضبط سيُسجل اسمهم في التاريخ المجيد فهم كثر ويصعب حصرهم وتعدادهم، فالأكاذيب في هذه المرحلة الملتبسة أصبحت تختلق بشكل محموم وسريع، وتتحول لحقائق مع مرور الوقت، ونحن نعيش وسط هذا التلاطم الإخباري والسياسي والاجتماعي مثل التلاميذ في مدارس التعليم عن بُعد، نسمع ونرى وقد نفهم أحياناً، لكن لا نستطيع فعل أي شيء آخر سوى محاولة إعادة التفكير في الماضي بجدية، بعد أن رأينا الحاضر يُزوّر أمام أمّ أعيننا "زي" الورد.

back to top