تبعات سياسية مؤلمة تعصف بالزعيم الكوري الشمالي

نشر في 25-09-2020
آخر تحديث 25-09-2020 | 00:00
لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في اجتماعهما الأول في سنغافورة
لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في اجتماعهما الأول في سنغافورة
كانت العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أشبه بعلاقة حب من أول نظرة، بحسب تصريح لترامب بعد أول اجتماع له مع الزعيم الكوري في سنغافورة في الثامن عشر من شهر يونيو من عام 2018، فقد أبلغ يومها الرئيس الأميركي الصحافي بوب وودورد عن شعوره هذا بتعابير رومانسية.

جدير بالذكر أن المودة التي نشأت بين الزعيمين لا سابقة لها في التاريخ الدبلوماسي بين دولتين استمرت العداوة بينهما فترة طويلة من الزمن، وتعتبر الحالة المختلفة في هذا الصدد تلك التي قامت بين هنري كيسنجر والزعيم الصيني شو إن لاي في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، ولكن الكلمات التي تبادلها الرئيس الأميركي ودكتاتور كوريا الشمالية كانت أشبه بعبارات غرام من النوع العاطفي الى حد كبير.

ولكن رسائل كيم جونغ أون إلى ترامب تشير الى صدورها عن شاب (كان عمره يومها 34 عاماً) ويشعر بشكوك إزاء صدورها عن أقوى رجل في العالم، وقد تملكه في ذلك الحين شعور بالامتنان والحيرة وربما بعاطفة عميقة.

وبعد أن استمرت المفاوضات عدة أشهر في أعقاب اجتماعهما الأول في سنغافورة كتب الزعيم الكوري الشمالي رسالة الى ترامب عبر له فيها عن حنينه الى اللحظات الأولى التي تركت في نفسه شعوراً بالود والمحبة، حيث قال: "حتى الآن لا أستطيع نسيان تلك اللحظة من التاريخ عندما أمسكت بقوة بيدك في ذلك الموقع الجميل وكان العالم يراقب باهتمام كبير وأمل حقيقي في أن نستعيد أجواء السلام، وأنا اليوم أتطلع الى لقاء عاطفي آخر مع سيادتكم يذكر بمشهد من أحد الأفلام الخيالية".

ذكريات اللقاء الأول

وعندما قرأ تلك الجملة عن الفيلم الخيالي شعر ترامب بصدمة، إذ يقول وودورد الصحافي المعروف من صحيفة واشنطن بوست الذي كتب عن تسعة رؤساء أميركيين أنه حتى بعد فشل قمتهما في هانوي بعد حوالي ثمانية أشهر وعندما عرض كيم إغلاق أكبر وأقدم منشأة نووية في يونغبيون وقد أصر ترامب على إغلاق كل المنشآت النووية ثم انسحب من ذلك الاجتماع استمر كيم في الدعوة الى إقامة علاقة مودة بينهما، وكتب رسالة الى ترامب في 10 يونيو من عام 2019 يقول فيها "مثل ذلك الوقت القصير الذي عشناه معاً قبل سنة في سنغافورة فإن كل دقيقة تشاطرناها قبل 103 أيام في هانوي كانت أيضاً لحظة مجد ثمينة".

وأشار كيم في ختام رسالته إلى أنه "يعتقد أن العلاقة العميقة والخاصة بيننا ستعمل مثل قوة سحرية..."، ويقول وودورد إن وكالة الاستخبارات المركزية لم تعرف بشكل مؤكد من الذي كان يكتب رسائل كيم الى ترامب التي كانت من النوعية المتميزة، وأثارت إعجاب المحللين لاحتوائها على مزيج من التملق ومناشدة ترامب للتعاون، فكانت إلى درجة معينة لغة كيم تعكس بلاغة النظام الشيوعي التي يمكن أن تتحول بسرعة الى نبرة عدائية أيضاً، وقال ترامب في واحدة من المقابلات التي أجراها وودورد معه إنه كان سعيداً عندما يخاطب بكلمة "سعادتكم".

ردود ترامب المحدودة

كان ترامب في ردوده المحدودة العدد على رسائل وودورد أقل عاطفة على الرغم من استمراره في التقرب من الزعيم الكوري الشمالي بطريقة جلية وتجديد عرضه له عندما قال إنه كان يعتزم تحويله الى أحد أعظم رجال التاريخ لو أنه وافق فقط على التخلي عن برنامجه النووي بصورة تامة، وكتب ترامب الى كيم رسالة في 12 يونيو قال فيها "أنا أتفق تماماً معك ولدينا– أنا وأنت– علاقة فريدة وصداقة خاصة، ونحن فقط نستطيع حل القضايا بين بلدينا عن طريق العمل معاً وإنهاء حوالي 70 عاماً من العداء، وتحقيق عصر من الازدهار الى شبه الجزيرة الكورية يتجاوز كل توقعاتنا العظيمة، وأنت ستكون القائد وتلك ستكون خطوة تاريخية".

والتقى الزعيمان بعد أسبوعين عندما وجه ترامب تغريدة غير متوقعة تتضمن دعوة الى كيم لمقابلته في قرية بانمونجوم، وقبل كيم تلك الدعوة، كما أصبح ترامب أول رئيس أميركي على رأس عمله يجتاز الحدود الى كوريا الشمالية، وأبلغ ترامب الصحافي وودورد بعد ذلك أن كيم "لم يسبق له أن ابتسم من قبل، وأنا الوحيد الذي يبتسم له".

وكتب وودورد يقول: لقد أكد ترامب بصورة شخصية أنها كانت "رسائل حب" وهي أكثر من ذلك لأنها تكشف عن قرار من قبل الرجلين لإقامة صداقة بينهما، ولكن التاريخ فقط سيظهر ما إذا كانت تلك الخطوة حقيقية أم لا، واللغة لم تخرج عن نطاق المسار التقليدي الدبلوماسي.

تغير اللهجة الكورية

منذ فشل قمة هانوي أصبحت لغة كوريا الشمالية أكثر برودة وتضمنت تهديدات "بأحداث مروعة" وتحذيرات من بيونغ يانغ "بهدية في عيد الميلاد" للولايات المتحدة في أواخر عام 2019، لكنها لم تحدث، وقال وودورد إن إحدى رسائل كيم الى ترامب بعد ذلك بدت أشبه برسالة موجهة من صديق أو محب أصيب بخيبة أمل، وذلك بعد أن أرسل ترامب الى كيم صوراً لاجتماعهما في قرية بانمونجوم، وفي حين قال ترامب إن تلك الصور تحمل "معنى خاصاً وستظل ذكرى دائمة" قال كيم إنه علقها على جدار مكتبه لكنه أعرب عن استيائه الشديد من استمرار الدور العسكري الأميركي في دعم كوريا الجنوبية.

ويتحدث ترامب أيضاً عن تطوير الولايات المتحدة لسلاح نووي جديد وسري للغاية، ويقول "لقد صنعت نظاماً للأسلحة لم يعرفه أحد من قبل في هذه البلاد... وما لدينا اليوم سلاح مذهل حقاً"، وقال وودورد إنه تأكد في وقت لاحق من وجود أسلحة نووية جديدة لكنه لم يتمكن من الحصول على تفاصيل تلك الأسلحة، كما أن مصادره فوجئت في كشف ترامب عنها، وإضافة إلى ذلك فقد ألمح ترامب الى أنه على الرغم من مشاعر المودة التي يكنها لكيم فإن العلاقات يمكن أن تعود الى أجواء التوتر التي سادت في خريف عام 2017 عندما سخر ترامب من كيم واصفاً إياه بـ"رجل الصاروخ الصغير"، كما وعد بتدمير كوريا الشمالية إذا لم تتوقف عن تطوير صواريخ نووية باليستية عابرة للقارات تشكل تهديداً للشواطئ الأميركية، وقد ردت بيونغ يانغ بوصف ترامب بـ"المختل عقلياً".

حافة الحرب

وكشف وودورد في كتاب له عن أن ترامب وكبار المسؤولين الأميركيين أبلغوه عن اقتراب الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من حافة الحرب في عام 2017 وبقدر يفوق ما عرفته العامة بعد أن قال ترامب إن كيم "كان مستعداً تماماً للتوجه الى الحرب ولكننا التقينا"، وفي التحليل النهائي قد تكون الولايات المتحدة وكوريا الشمالية توصلتا الى مأزق دبلوماسي، وقد حذر الصقور من مستشاري ترامب من أن كوريا الشمالية تشعر بجنون العظمة، ولن تتخلى عن سلاحها النووي. وكان تصرف كوريا الشمالية مدفوعاً الى حد كبير بعاملين هما: الهجوم الذي قد تشنه الولايات المتحدة عبر قواتها التي تعد 30 ألف جندي عبر الحدود والتهديد بالصواريخ الأميركية والكبرياء الجريحة لأنها لم تؤخذ على محمل الجد بصورة كافية.

وحتى في تلك الحالة، يشير بعض الخبراء الى أن كيم قاوم فكرة إجراء تجارب صواريخ نووية باليستية خلال علاقته مع ترامب الذي كان في وسعه إنجاز عمليات إغلاق جوهرية جداً لو أنه قبل بالعرض الذي قدمه الزعيم الكوري الشمالي في هانوي، والذي وصفه أحد الخبراء ويدعى سيغفريد هيكر بأنه كان "فرصة ضائعة".

وقد أبلغني هيكر في رسالة بالبريد الالكتروني أن الاتفاق الذي عرضته كوريا الشمالية في الدقيقة الأخيرة أثناء انسحاب ترامب من المحادثات كان يستحق القبول به "وأن السبب الذي دفع ترامب الى الانسحاب كان نتيجة معارضة مستشار الأمن القومي جون بولتون له وبعد أن أقنع بولتون الرئيس الأميركي بأن الانسحاب كان أفضل".

وخلص وودورد الى القول إن ترامب كان يردد دائماً إننا لن نتوجه الى الحرب "وذلك إنجاز وتستحق الدبلوماسية التجربة أما ما سيحدث بعد ذلك فهو حصيلة مجهولة من عصر ترامب".

وفي حقيقة الأمر، ومع غياب كيم عن الأنظار في الوقت الراهن وجهود جو بايدن للفوز في سباق الرئاسة الأميركية في الثالث من شهر نوفمبر المقبل قد تكون العلاقة العاطفية بين كيم وترامب قد انتهت، والعلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية قد تعود الى التهديدات المتبادلة التي شهدتها العقود الماضية.

● مايكل هيرش

back to top