المشرع الخليجي وتشريعات المرأة والأسرة (1)

نشر في 21-09-2020
آخر تحديث 21-09-2020 | 00:09
 د. عبدالحميد الأنصاري حق الخليجية في تجنيس أطفالها

يتغير العالم بوتيرة متسارعة ويتغير الخليج وتعم مظاهر التحديث أرجاءه كافة، إذ أصبح يتقبل مشاركة المرأة الخليجية في الحياة العامة، فهي اليوم تؤدي دوراً بارزاً في المجتمع الخليجي، وتقلدت مناصب قيادية، فصارت وزيرة ومديرة للجامعة وسفيرة ومحامية، واقتحمت قلعة القضاء، الحصن المنيع للرجال تاريخياً، والخليج الذي ظل محافظاً متشبثاً بمسلمات موروثة هو اليوم في حالة تغير سريع الخطى سياسياً واجتماعياً وثقافياً وتقنياً.

هبت رياح عاتية على الخليج وعصفت بعادات وتقاليد ومواريث اجتماعية لبست ثوب الدين، وما هي من الدين في شيء، وأصبحت للمرأة الخليجية شخصيتها المستقلة، وامتلكت حرية حركتها المجتمعية، وسقطت أعتى القلاع المناهضة لحركة المرأة في المجتمع الخليجي الأكثر ذكوريّة، حتى الدعاة والوعاظ (حراس الماضي) الذين كانوا يحاربون التحديث وخروج المرأة تغيروا.

جمود المشرع الخليجي

وحده الذي استعصى على التغيير وظل متشبثاً بموقعه في الماضي لا يتغير ولا يتطور، يراقب التغييرات الاجتماعية المتسارعة حوله، إنه المشرع الخليجي في موقفه المتصلب من حقوق المرأة وتشريعات الأسرة!

لا يزال المشرع الخليجي يقتات على تراث الأقدمين في تشريعاته للمرأة، يستبطن مواريث ماضوية، يعيش متخلفاً عن ركب العصر ومعطياته، متجاهلا متغيرات الواقع الخليجي، لا يدرك أن خليج اليوم غير خليج الماضي، وأن الخليجية المعاصرة غير أمها وجدّتها بالأمس، وما زال المشرع الخليجي يعيش في كهف التاريخ، يشرع للمرأة الموصوفة في كتب التراث القديم!

كل شيء تغير في الخليج عدا نظرة المشرع الخليجي للمرأة، فهي مازالت عنده كائنا عاطفيا ناقصا، لا يحسن التصرف إلا بوصاية الولي الرجل.

الدول الخليجية أصدرت دساتير نصت على حقوق والتزامات متساوية بين المواطنين والمواطنات، ووقعت وصادقت على اتفاقيات حقوقية أممية، وتعهدت بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وتبنت خططاً لتمكين المرأة، ومع ذلك استمر المشرع الخليجي يدس رأسه في التراب، متجاهلاً المواثيق الأممية المتعلقة بحقوق المرأة ومنها:

أولاً: حق الخليجية في منح جنسيتها لأولادها

قوانين الجنسية لدول الخليج تمايز بين المواطن والمواطنة، فتعطي الرجل وحده حق تجنيس أولاده وتمنعه عن المرأة، في مخالفة صارخة لدساتيرها التي تنص بوضوح على "مساواة المرأة بالرجل في حق المواطنة"، وفِي مناقضة سافرة لكل المواثيق الحقوقية التي صادقت عليها والتزمت بها، ومنها "الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة"، لكنها تحفظت على مادتها الـ9 البند الثاني "تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما".

لا يوجد أي مبرر عادل أو منطقي أو شرعي لهذه التفرقة التي تجاوزتها كل دول العالم، ومن حق المواطنة أن يكون لها مثل حق أخيها المواطن، فالنساء شقائق الرجال، فهلا تساءلنا بروية وعقلانية وتبصر وبدون ردة أفعال ذكورية أو عنصرية: لماذا يستحوذ الرجل الخليجي على كل الحقوق دون المرأة الخليجية؟! ولماذا من حق الرجل المواطن منح جنسيته لأبنائه وتحرم المرأة المواطنة من الحق نفسه؟! ولماذا من حق الرجل الخليجي منح جنسيته لزوجته الأجنبية ولا يحق للمرأة الخليجية المتزوجة من أجنبي؟! ولماذا تمنح تشريعات العالم كله المرأة حق منح جنسيتها لأطفالها وتحرم تشريعات الخليج هذا الحق؟! ولماذا تنصف (7) دول عربية هي: تونس، مصر، الجزائر، المغرب، العراق، السودان، الصومال، مواطناتها وتمنحهن هذا الاستحقاق، ويمتنع الخليج؟! أفلا يجدر بالخليج إنصاف مواطناته؟! أليس الأعدل بالمشرع الخليجي المسارعة إلى تصحيح هذا التمييز التشريعي المعيب؟!

إلى متى نترك الأم الخليجية المتزوجة من غير مواطنها معذبة: تتألم في صمت ونبل، تدفن أحزانها، تخفي معاناتها، تعيش قلقة على مصير أطفالها؟! إلى متى نضن على ألطف الكائنات، الأم الخليجية، هذا المخلوق الرقيق الذي غير مجرى التاريخ وصنع الحضارة، بحق طبيعي تتمتع به أمهات العالم؟! وإلى متى يظل الخليج أسير مواريثه التعصبية؟!هلا دولة خليجية تبادر إلى نيل شرف هذا الاستحقاق الذي طال؟

* كاتب قطري

back to top