الإفراط في مشاهدة التلفزيون يومياً يضعف ذاكرتك

نشر في 18-09-2020
آخر تحديث 18-09-2020 | 00:02
No Image Caption
من الأفضل أن يعدّل كبار السن الوقت الذي يمضونه أمام التلفزيون إذا أرادوا الحفاظ على قدراتهم العقلية. تمحورت دراسة جديدة وواسعة حول الراشدين الأكبر سناً، وكشفت أن الأشخاص الذين يمضون ثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً على الأقل في مشاهدة التلفزيون يسجلون تراجعاً إضافياً في الذاكرة الشفهية.
حلل باحثون من جامعة «كوليدج لندن» في بريطانيا بيانات مأخوذة من «الدراسة الطولية الإنكليزية للشيخوخة»، وشملت 3662 شخصاً راشداً في عمر الخمسين وما فوق.

بين عامَي 2008 و2009، ثم بين 2014 و2015، أجاب المشاركون في الدراسة على أسئلة بشأن المدة التي يخصصونها لمشاهدة التلفزيون.

بحلول هذه المرحلة، كانوا قد أنهوا أيضاً اختبارات للذاكرة الشفهية وطلاقة الكلام.

وكشف التحليل أن الأشخاص الذين كانوا يشاهدون التلفزيون طوال ثلاث ساعات ونصف الساعة على الأقل يومياً سجلوا تراجعاً في الذاكرة المرتبطة بالكلمات واللغة بنسبة تتراوح بين 8 و10 في المئة على مر السنوات الست التي غطّتها الدراسة.

في المقابل، تراجعت تلك النسبة واقتصرت على 4 أو 5 في المئة بالنسبة إلى الأفراد الذين كانوا يشاهدون التلفزيون ساعات أقل في اليوم خلال الفترة نفسها.

نُشرت نتائج الدراسة حديثاً في مجلة «التقارير العلمية»، ولم تكشف أي روابط بين مدة مشاهدة التلفزيون والاختلافات على مستوى «الطلاقة الدلالية».

فرضت اختبارات الذاكرة الشفهية على المشاركين أن يحفظوا لوائح من الكلمات ثم يتذكرونها خلال مدة محددة. في الوقت نفسه، طلبت منهم اختبارات الطلاقة الدلالية أن يعددوا أكبر عدد من الأمثلة عن فئة معينة «مثل نوع الحيوانات»، وكان يجب أن يفكروا بها خلال مدة محددة أيضاً.

رغم تعدد الأبحاث حول آثار مشاهدة التلفزيون على الإدراك، يقول المشرفون على الدراسة، إن معظمها كان يركّز على الأولاد.

توضح د. دايزي فانكورت التي شاركت في الإشراف على الدراسة وتعمل في قسم العلوم السلوكية والصحة: «تراجع التركيز دوماً على آثار مشاهدة التلفزيون في عمر متقدم، مع أن الفرضيات منذ أكثر من 25 سنة تعتبر أن الإفراط في مشاهدة التلفزيون قد يؤثر على نشوء الخرف».

مشاهدة التلفزيون «نشاط جامد»!

يتعلق جانب مثير للاهتمام في الدراسة الجديدة باستمرار الرابط القائم بين مشاهدة التلفزيون ساعات طويلة وتراجع الذاكرة الشفهية بدرجة إضافية، حتى بعدما عدّل الباحثون النتائج وأخذوا بالاعتبار مدة الجلوس.

عند تحليل الأسباب المحتملة لهذه النتائج، ناقش العلماء طبيعة مشاهدة التلفزيون مقارنةً بنشاطات جامدة أخرى.

يوضح المشرفون على الدراسة: «اعتُبر التلفزيون نشاطاً ثقافياً فريداً من نوعه بما أنه يجمع بين حوافز حسية قوية ومكثفة ومجزأة وسريعة التغيّر من جهة، وحالة جمود من جانب المشاهد من جهة أخرى.

كانت دراسات عدة قد ربطت مدة قلة الحركة بالتراجع المعرفي ضمن فئة كبار السن، من دون أن تأخذ بالاعتبار هذه الطبيعة الاستثنائية التي تحملها مشاهدة التلفزيون وتجمع بين اليقظة والجمود، لكنها اعتبرت هذا النشاط بديلاً عن السلوك الجامد.

أقام الباحثون مقارنات مع بحث يتمحور حول سلوكيات جامدة أخرى ترتكز على استعمال الشاشات لكنها لا ترتبط بالتراجع المعرفي.

ذكرت بعض الدراسات مثلاً أن استعمال الإنترنت وألعاب الفيديو (نشاطان جامدان ويتطلبان استعمال نوع من الشاشات) قد يحافظ على القدرات المعرفية، كتلك التي نحتاج إليها لحل المشاكل، حتى أنه قد يُحسّنها أيضاً.

مشاهدة التلفزيون والإجهاد المعرفي

كشف الباحثون أن مشاهدة التلفزيون قد تؤثر على الذاكرة الشفهية عن طريق الإجهاد المعرفي. بحسب رأيهم، قد ينشأ هذا النوع من الإجهاد بسبب طبيعة مشاهدة التلفزيون التي تشمل اليقظة والجمود، فضلاً عن الآثار النفسية المترتبة عن رؤية مشاهد عنيفة ومشوقة وتصويرية.

قد يتعلق تفسير آخر لنتائج الدراسة بتراجع فرصة أن يشارك الناس في نشاطات تفيد قدراتهم المعرفية، مثل القراءة وألعاب الألواح الذهنية والمناسبات الثقافية، كلما طالت المدة التي يخصصونها لمشاهدة التلفزيون.

قد يعني ذلك أن أثر مشاهدة التلفزيون السلبي لا ينجم عن مفعولها المباشر فحسب، بل إن هذا النشاط يحلّ مكان النشاطات التي تحافظ على القدرات المعرفية، مع أن هذه الأخيرة قد تكون جامدة بدورها.

لكن يؤكد الباحثون ضرورة استكشاف هذه الفكرة بدرجة إضافية في الدراسات المستقبلية.

الدراسة لا تنفي منافع التلفزيون

ذكر الباحثون أخيراً أن نتائجهم لا تنفي منافع مشاهدة التلفزيون في عمر متقدم. تكشف بعض الأدلة مثلاً أن الراشدين الذين يشاهدون المسلسلات الدرامية يقدمون أداءً أفضل من مشاهدي الأفلام الوثائقية في الاختبارات التي تتطلب قدرة عالية على فهم الآخرين.

كذلك، ذكرت بعض الدراسات أن البرامج التلفزيونية التثقيفية، حين تكون مُصمَّمة بالشكل المناسب، قد تصبح أدوات فاعلة للتعلم.

يُعتبر التلفزيون أيضاً وسيلة للهرب من الحياة في الأوقات الصعبة، ويعتبره الكثيرون شكلاً من طرق الاسترخاء.

ساهمت «مؤسسة القلب البريطانية» في تمويل هذا البحث جزئياً. يؤكد كريس آلن، ممرّض بارز في قسم أمراض القلب في المنظمة الخيرية، ضرورة ألا ينسى أحد أن التراجع المعرفي ليس مرادفاً للخرف: «في مطلق الأحوال، إذا كنت قلقاً من التأثير السلبي المرتبط بالمدة التي تخصصها لمشاهدة التلفزيون على صحتك، فيجب أن تحدّ من الوقت الذي تمضيه أمام التلفزيون كل يوم وتضيف بعض الهوايات المفيدة للقلب إلى جدولك اليومي».

بعض الدراسات تشير إلى أن استخدام الإنترنت وألعاب الفيديو قد يحافظ على القدرات المعرفية
back to top