انتخابات «نهاية العالم»!

نشر في 16-09-2020
آخر تحديث 16-09-2020 | 00:09
 جيمس زغبي في أسابيع عدم اليقين التالية لانتخابات الرئاسة لعام 2000 ومع تفاقم التوترات بين أنصار جورج بوش الابن وأنصار آل غور، أجرى شقيقي جون زغبي استطلاع رأي ليتعرف على الطريقة التي ينظر بها «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» إلى التصويت المتنازع عليه.

وجذب انتباهي الإجابات عن سؤال واحد بعينه، فقد سُئل الناخبون «الجمهوريون» إذا ما كانوا سيعتبرون «آل غور» رئيساً شرعياً إذا أُعلن فوزه، وطُرح السؤال المقابل على «الديمقراطيين»، وجاءت الإجابات مزعجة، فقد أعلن 21% من «الديمقراطيين» أنهم لن يعتبروا بوش حاكماً شرعياً، والأكثر إثارة للإزعاج أن 67% من «الجمهوريين» أعلنوا أنهم لن يعتبروا «آل غور» رئيساً شرعياً.

وفي ذاك العام نحت شقيقي المصطلح الذي يشيع استخدامه حالياً، وهو «انتخابات أرمجدون» -معركة النهاية- ليصف مشاعر الجانبين تجاه عواقب السباق الرئاسي. صحيح أن كل السباقات مذّاك كانت مهمة ومثيرة للشقاق العميق، لكن لا شك أن انتخابات 2020 بين دونالد ترامب وجو بايدن توحي بأنها ستكون معركة نهاية العالم، فمع مرور كل يوم يتضح أننا نقطع رحلة وعرة وطويلة. والأكثر إثارة للإزعاج من الصعوبات التي سنواجهها على طول الطريق، ربما يكون ما سنواجهه بعد يوم الانتخابات، فهناك خوف مستحق من احتمال أن تتعرض ديمقراطيتنا نفسها للخطر. فلم نعد ننتمي إلى حزبين متعارضين وكفى بل إلى بلدين، لكل منهما جمهور ناخبين مختلف، وكل جانب يرى العالم بعيون مختلفة بشكل جذري، وتُظهر استطلاعات الرأي أن هذا الانقسام لا يتعلق بأمور مثل العرق والمساواة بين الجنسين والهجرة ودور الحكومة فحسب، بل الخلافات أعمق مع وجود وجهات نظر متباعدة بشدة عن أميركا نفسها وتاريخها ومستقبلها. وأحياناً تبدو الأمور كما لو أن المعسكرين لا يريان وقائع مختلفة فحسب، بل يتحدثان لغات مختلفة، والانقسام ليس حزبياً فحسب بل هو انقسام سكاني، فأحد الجانبين غالبية ناخبيه من البيض الذكور الأكبر سناً وسكان الريف، والجانب الآخر مؤلف إلى حد كبير من ناخبين أكثر تعليماً ومن سكان الحضر والأصغر سناً والسود ومن المنحدرين من أميركا اللاتينية والآسيويين.

وأحد الجانبين يرى الأمل في استعادة مجد الماضي ويشعر بالتهديد من «غرابة» الوافدين الجدد ويسعى إلى منع دخول الذين يعتبرونه «مختلفا»، والجانب الآخر يحتفي بتنوع أميركا ويرحب بفكرة الاندماج ولا يخشى التغيير، وهاتان النظرتان المتمايزتان عن العالم ظهرتا الشهر الماضي في المؤتمرين «الديمقراطي» و«الجمهوري»، فقد استخدم كل حزب إعلاناته التلفزيونية لتقديم تصوره عن أميركا ومستقبلها، وأوضح الجانبان العواقب الخطيرة المحتملة لفوز الجانب الآخر.

وجسدت كلمات دونالد ترامب الابن التصور «الجمهوري» حين وصف هذه الانتخابات بأنها خيار بين «الكنيسة والعمل والمدرسة» وبين «الشغب والنهب والتخريب»، وفي هذه الرؤية «الجمهورية» يجري تصوير «الديمقراطيين» على أنهم واقعون في أسر القوى الاشتراكية المتطرفة التي تسعى إلى الترويج للاضطرابات الاجتماعية وإضعاف قوات الشرطة وتدمير «نمط حياة» الطبقة الوسطى ببناء مساكن في ضواحي البيض للأشخاص الملونين الأفقر، ويرى «الجمهوريون» أن الفوز في الانتخابات ضرورة لإنقاذ أميركا البيضاء وثقافتها وقيمها وطريقتها في الحياة، وشعار «لنجعل أميركا عظيمة من جديد» لا يمثل رؤية للمستقبل، بل هو مسعى مستميت لإنقاذ المجد المفقود لماض من صنع الخيال.

و«الديمقراطيون» ينظرون في الأساس باعتبار الفوز حمايةً لأميركا من عدم التمدن والكراهية العرقية والانحراف الخطير نحو الحكم السلطوي، ولذا فالرهانات بالنسبة إلى الجانبين ليست مرتفعة فحسب، بل على جانبي النقيض، كما لو أن كل جانب يقول «إذا فاز الطرف الآخر فالكل خاسرون»، وستكون نهاية العالم أو «معركة أرمجدون» نهائية.

والرئيس ترامب استخدم "تويتر" للترويج لنظريات المؤامرة، وزعم مراراً أنه لن يخسر إلا إذا تم تزوير الانتخابات ضده، ويشير استطلاع رأي في الآونة الأخيرة أن ثلث «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» عبروا عن مخاوفهم بشأن سلامة عملية التصويت، وأشار ترامب إلى أنه في حالة تزوير الانتخابات، فقد يتعين على أنصاره الدفاع عن أنفسهم ورئاسته ضد النهابين ومثيري الشغب ومحدثي الفوضى الذين يسعون إلى تفكيك عرى البلاد. وفي منتصف الصيف، انتشرت احتجاجات سلمية إلى حد كبير على مستوى البلاد ضد إطلاق الشرطة المتكرر النار على أميركيين سود، لكن في بعض المدن تطورت الاحتجاجات إلى أعمال نهب وتخريب عنيفة، ووقعت بعض الحوادث دون قصد لكن بعضها الآخر حرض عليها، فيما يبدو، متطرفون من الجناحين اليميني أو اليساري رغبة في إثارة المزيد من الاضطرابات، واستغل ترامب هذا ودافع عن الشرطة، ووبخ مسؤولي الولايات والمدن من «الديمقراطيين»، ووصفهم بالضعف، وشهدنا مرة أخرى ظهور محتجين مسلحين من البيض وسمعنا عن دعم الرئيس لهم ووصفهم بأنهم «وطنيون رائعون».

ورد بايدن على أحداث العنف بإعلانه إنكاراً متوازناً قال فيه «أريد أميركا في مأمن من كوفيد والجريمة والنهب والعنف ذي الحوافز العرقية وأفراد الشرطة الفاسدين وأربع سنوات أخرى من (رئاسة) دونالد ترامب». وردت حملة ترامب من جانبها بالقول «لا أحد سيكون في مأمن في أميركا (بقيادة) جو بايدن. (إنه) سيسلم أميركا ومواطنيها للغوغاء العنيفين من الجناح اليساري، ويمحو الطريقة الأميركية في الحياة». وكل هذا يمثل دليلاً على استقطاب أعمق وأخطر في المجتمع الأميركي. في يناير عام 2017، وبعد تنصيب ترامب، احتج ملايين معبرين عن عدم موافقتهم، ونتوقع حدوث الأمر نفسه بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات، فكلا الجانبين يصور هذه الانتخابات في مصطلحات تعبر عن «نهاية العالم»، والرئيس يشكك في مشروعية التصويت حتى قبل حدوثه ويحذر أنصاره من أنه قد يتعين عليهم حمل السلاح للدفاع عنه، ولذا لدينا مكونات تنذر بكارثة قد تحدث بعد أيام من إجراء الانتخابات.

* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن

back to top