التقشف يزيد معاناة الاقتصادات الخليجية مع ضبابية أسعار النفط

نشر في 15-09-2020
آخر تحديث 15-09-2020 | 00:03
الاقتصاد الخليجي يعاني
الاقتصاد الخليجي يعاني
تعول دول نفطية في منطقة الخليج على أساليب مجربة خلاصتها تقليص الإنفاق وزيادة الاقتراض لاجتياز أزمة فيروس كورونا غير أن مخاطر هذه الاستراتيجية أشد من أي وقت مضى بسبب الغموض الذي يكتنف آفاق النفط.

فقد اعتمدت نوبات ربط الأحزمة السابقة على انتعاش أسعار النفط في إعادة ملء الخزائن غير أنه أصبح لدول الخليج احتياجات تمويلية أكبر وأصول خارجية أقل مما كان عليه الحال في الأزمات السابقة، في حين قد تفرض الجائحة استمرار الطلب عند مستوى منخفض فترة أطول.

انتعشت أسعار برنت منذ هوت إلى أدنى مستوى خلال أكثر من 20 عاماً في أبريل لكنها لا تزيد إلا قليلاً فوق 40 دولاراً للبرميل، أي أنها أقل بكثير مما تحتاج إليه أغلب دول الخليج لضبط ميزانياتها.

وفي الوقت نفسه، ظهر بالفعل الأثر السلبي على آفاق النمو الناتج عن التحول إلى التقشف في منطقة يعد الإنفاق الحكومي فيها المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، فضلاً عن سعي بعض البلدان لحماية وظائف المواطنين على حساب العمالة الوافدة.

وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري «المشكلة التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي هي أن الطلب المحلي يدفعه الإنفاق الحكومي وهذا يتطلب أسعاراً أعلى بدرجة كبيرة للنفط».

وأضافت مالك أن «هوامش الأمان المالي تدهورت خلال السنوات القليلة الماضية مما يحد من مجال دعم النمو ويتطلب إصلاحات في الميزانية».

وتسلط تدابير خفض الإنفاق، التي تتناقض مع حزم التحفيز التي ضختها حكومات خارج المنطقة بتريليونات الدولارات، الضوء على محدودية مساحة المناورة المتاحة لدول الخليج.

ويدور عجز الميزانيات حالياً بين 11.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السعودية و16.9 في المئة في سلطنة عمان وفقاً لصندوق النقد الدولي، والدولة الوحيدة التي يُتوقع أن تحقق فائضاً هي قطر.

وتنسجم التدابير المتخذة حالياً على صعيد السياسات مع أسلوب السلطات الإقليمية في التصدي للأزمات السابقة. إذ شهدت منطقة الخليج ارتفاع مستويات الدين بعد انهيار أسعار النفط في 2014-2015، ونفذت عدة دول سياسات عمالية لمصلحة مواطنيها على حساب العمالة الوافدة بعد انتفاضات الربيع العربي في 2011.

غير أن المخاطر هذه المرة أكبر لأن الغموض يكتنف مستقبل أسعار النفط بدرجة أكبر.

ويتوقع غولدمان ساكس ارتفاع أسعار برنت في 2021 لتصل إلى 65 دولاراً للبرميل بحلول الربع الثالث من العام المقبل. غير أن مسحاً أجرته «رويترز» حديثاً أظهر توقعات لزيادة متواضعة في 2021 يبلغ فيها متوسط سعر برنت 50.45 دولاراً للبرميل.

ولن يكفي ذلك لتغطية العجز لدى معظم دول الخليج. وفي أبريل قدر صندوق النقد أن السعر الذي تحقق به السعودية التعادل بين الإيرادات والمصروفات هو 76.1 دولاراً للبرميل هذا العام و66 دولاراً في العام المقبل.

وقال متحدث باسم وزارة المالية السعودية، إن للأزمة تأثيراً سلبياً على نمو النشاط الاقتصادي غير النفطي هذا العام، غير أن هذا التأثير أقل من التقديرات في بداية الركود.

ثمة بعض الاختلافات في النهج بين دول مجلس التعاون الخليجي الست. إذ قالت السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، إنها لم تدخل مرحلة تقشف، وإنها ستلتزم على الأرجح بالميزانية التي أعلنتها في ديسمبر.

ومع ذلك فقد رفعت ضريبة القيمة المضافة لثلاثة أمثالها وأوقفت صرف بدل غلاء المعيشة وأعلنت تخفيضات في الإنفاق في المجالات التي لا تدخل في نطاق الأولويات.

وقال المتحدث باسم وزارة المالية السعودية، إن قطاع النفط ليس المحرك الرئيسي للانتعاش الاقتصادي.

وفي الوقت نفسه، خفضت البحرين وسلطنة عمان والكويت ودبي الإنفاق الحكومي هذا العام. ولم يرد مسؤولون في القطاع المالي بهذه الدول على طلبات للتعليق.

وأتاحت البنوك المركزية الإقليمية حزماً تحفيزية كبيرة للتخفيف من أثر تفشي الفيروس على اقتصاداتها، غير أن الدعم الحكومي في بعض الحالات كان أقل كثيراً.

وفي الإمارات، يقول صندوق النقد الدولي، إن ذلك بلغ 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل حزمة تدابير من البنك المركزي بلغت 20 في المئة من الناتج الإجمالي.

وللمقارنة، تقدر «فيتش» للتصنيفات الائتمانية أن تدابير دعم الميزانية المعلنة منذ مارس تدور بين 20 و35 في المئة من الناتج المحلي في دول مثل بريطانيا وإيطاليا واليابان وألمانيا.

وقال المتحدث باسم وزارة المالية السعودية، إن دعم الموازنة السعودية ليس مقيداً وإن الحكومة تتخذ التدابير «اللازمة لحماية الأرواح والأرزاق وضمان الانتعاش الاقتصادي».

وأضاف أن الحكومة نفذت إجراءات لضبط الإنفاق «للحفاظ على الاستقرار والاستدامة».

ثبات النشاط

توضح بيانات مؤشر مديري المشتريات أن إجراءات تقييد الإنفاق كان لها بالفعل أثرها السلبي على النشاط الاقتصادي، إذ تدهورت ظروف الأعمال في السعودية والإمارات في أغسطس.

وقالت كابيتال إيكونوميكس في لندن، «مؤشرات مديري المشتريات للاقتصاد الكلي لشهر أغسطس من شتى أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخفضت كلها مما زاد العلامات الدالة على أن النشاط بلغ مرحلة الثبات في المنطقة وسط تقشف في الإنفاق واستمرار تدابير احتواء الفيروس».

وأضافت «نتوقع أن يكون الانتعاش من الأزمة الحالية عملية بطيئة».

ومع انكماش الاقتصاد وتدهور الميزانيات، من المرجح أن تحاول الحكومات الحصول على قروض أطول أجلاً وأقل كلفة في الشهور المقبلة بعد أن جمعت بالفعل نحو 50 مليار دولار في أسواق الدين العالمية هذا العام.

فقد عادت دبي إلى أسواق الدين العام في الشهر الجاري للمرة الأولى منذ ست سنوات، لتجمع ملياري دولار في صفقة جيدة التسعير تعطي مؤشراً على أن الأسواق مازالت مفتوحة للمنطقة رغم الركود.

وتقدر ستاندرد آند بورز للتصنيفات أن العجز التراكمي للحكومات المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي سيصل إلى نحو 490 مليار دولار إجمالاً بين 2020 و2023. وتتوقع أن يرتفع الدين الحكومي لدول المجلس بمبلغ قياسي يصل إلى 100 مليار دولار هذا العام.

back to top