ثقافة وفن بشكل جديد!!

نشر في 11-09-2020
آخر تحديث 11-09-2020 | 00:00
 عبدالهادي شلا لسنا هنا للبحث فيما يُنشر عبر الإعلام من آراء وتفسير وأوامر بعضها يناقض بعضا، فهذا أمر واسع والجدال فيه لا يخدم ما نريد أن نتحدث فيه بعد أن تقبل العالم وامتص الصدمة بوقوع الوباء.

مما لا شك فيه أن التغيير سيطول عالم الثقافة والفنون بعد أن تقبل العالم الصدمة القوية التي اجتاحت كل ما فيه من علاقات وبرامج، وترتيب إنساني كان قائما بالتسلسل منذ الخليقة حتى جاء الوباء ليعصف بكل ما كان متسقا مع طبيعة الحياة رغم تسارع وتيرتها بدخول الصناعات والتقنيات ساحة الصراع بين الأمم واجتهاداتها جريا وراء التفوق ليكون لها الغـلبة في السلم وفي الحرب، وهذا بيت القصيد من كل تلك التجاذبات والحروب والأهداف المعلنة والمستترة!

وسيبدأ المثقفون بإعادة النظر فيما يطرحونه من رؤى وأفكار تتفق مع سياق المُتصوَّر لشكل الحياة في القريب الذي بدأت أولى خطواته مع بداية الإعلان عن الجائحة، وهذا أمر مؤكد فأصل ما يُقدمه المثقف نجد مصدره الحياة وقوامها وشكلها من الأحدث إلى الأحدث.

وبدون أن يكون لشكل الحياة الجديد أثر فلن نجد القيم الجديدة التي يجب أن تكون مصاحبة لهذا التغيير!!

منذ فترة ليست بعيدة وجدنا بعض البرامج التقنية العالية القدرة تعمل على تخزين عدد غير محدود من الكتب وفي كل المجالات، وهي متوافرة لمن يريد أن يحصل على أي كتاب لقراءته بإنزاله على متصفحه الإلكتروني وبإمكانه شراؤه وتملكه كما لو كان كتابا ورقيا.

هذه كان البداية التي استشرفها البعض واستمتعوا بها، واليوم صار هذا الأسلوب هو الذي يتطلع إليه المثقف الواعي بمستجدات الحياة والتي نتحدث عنها، فهل ستختفي رفوف المكتبات التي في بيوتنا في القريب المنظور، أم ستبقى إرثا وتتحول الكتب الورقية إلى تُحف وآثار من عهد قديم خاصة بعد أن يتسيد الجيل الجديد بأدواته التقنية المتطورة، وتطوى صفحات حياة عشاق القديم ومتعة القراءة الورقية؟!

أكبر الظن ألا استغناء عن طباعة الكتب، ولكن قد لا تكون بالقدر الذي يسود اليوم لأن الكثيرين سيجدون في التصفح الإلكتروني سهولة واستمتاعا يشعرهم وهم بالقرب من أجهزتهم الحديثة أنهم من السهل إغلاق صفحة الكتاب والعودة لعملهم على الجهاز نفسه أو تواصلهم مع آخرين وهكذا!

ولعلنا سنلتقي بالصورة والتعامل مع الفن التشكيلي الذي برزت في ظل الجائحة علامات تحوله من قاعات العرض إلى معارض افتراضية يتم التنسيق لها بدعاية وشهادات تقديرية تعمل على تعويض فترة الحجر الصحي وتتفق مع الإرشادات الصحية بضرورة التباعد.

ولكن هل من الممكن أن تُحقق هذه المعارض الافتراضية المتعة نفسها عند المتلقي وهو يشاهد صورة لوحة ويتأملها دون أن يواجهها ليتعرف على ما فيها من قيم قد تلعب البرامج التقنية دورا في إبرازها بقيمة أعلى مما فيها أصلا؟ وكيف له أن يقتني عملا دون التأكد من سلامته وأنه أصلي غير مقلد؟

إذا لن يكون هناك استغناء عن بعض الوسائل التقليدية في وجود التيار القوي القادم بسيطرة التقنيات وأساليبها التي لا تحصى، ذلك أنها تتغلغل في كل ما يحتاجه الإنسان المتحضر، والذي لا يجد أمامه غيرها لتستقيم حياته وتتحقق أمنياته!

هذا يعني أن ما استجد سيبقى لصيقا بما هو قديم لفترة لا نعرف مداها حتى يخرج تماما من عباءته، وهي الحالة نفسها التي تجري منذ بدأ الإنسان بالدخول في عالم الاكتشاف وقت كان بدائيا، وتطورت أدواته التي وصلنا إليها اليوم بهذا الكم الهائل من الاكتشافات واتساع مساحتها، وسيبقى قريبا يستمد من كل ماض قوة تحفزه على السير قُدُما.

* كاتب فلسطيني- كندا

back to top