الحرية... لها صورة أخرى!!

نشر في 04-09-2020
آخر تحديث 04-09-2020 | 00:00
 عبدالهادي شلا الحرية وإن كانت في مجال ضيق فهي مطلب يحتاج إلى صبر لتحقيقها وإلى نضال من أجلها، فالحرية ليست مطلبا صغيرا حين لا يستطيع الإنسان أن يغادر بيته مرغما وبأمر يفوق طاقته رغم أن الباب مفتوح لو أراد الخروج، وهذا ما كان من الحجر الصحي الذي فرض على سكان الكرة الأرضية بسبب انتشار وباء "كورونا".

رغم الخوف الذي نزل في نفوس الأغلبية والشعور بالعجز والشلل في كل مرافق الحياة وانعكاس هذا على سلوكياتهم وعلاقاتهم والاحتجاب، ورغم التغيرات التي طرأت على السلوك العام والانقلاب عليه وتغير شكله ومضمونه، وتحول الأدوات الحياتية إلى "المكننة" واللجوء إلى التقنيات الحديثة في قضاء أكثر الحاجات لمن يستطيع، فقد ظهرت بعض المشاكل التي لم تكن ضمن مناهج الحياة اليومية العملية حين أصبحت الوسائط للعمل والإنتاج تتم باستخدام أجهزة الحاسوب أو الهواتف الذكية، والتي جعلت الذين تخلفوا عن المتابعة في حيرة من أمرهم حين وجدوا أنفسهم عاجزين عن التآلف مع الأسلوب الجديد للحياة الذي باغتهم دون استعداد.

العمل عن بُعد صار أسلوب حياة جديدة رغم أن بعض الدول كانت تتعامل به منذ زمن غير بعيد في حيز ضيق بعض الشيء، لكنه اليوم صار أساس كل التعاملات الصغيرة والكبيرة، ولم يتوقف على العمل المكتبي بل وصل إلى التعلم المدرسي والجامعي عن بُعد، وكذلك قضاء الاحتياجات المنزلية التي صارت تُطلب من المحال التجارية عبر برنامج خصص لذلك، ويتم توصيلها إلى باب البيت delivery، وقس على ذلك!!

هل هذه الأعمال التي تُبقي الإنسان في بيته، توفر له الوقت والحركة وتمنحه مزيدا من مساحة حرية أم هي تضييق يثقل كاهله حين يجد أن أسلوب حياته قد تغير "رغما عنه" وليس برغبته وحريته في تحديد الوقت والزمن لأداء عمله، وهما العنصران الأكثر أهمية في الحياة العملية التي اعتادها جيلا بعد جيل؟!

بالتأمل نجد جوهر حرية الإنسان في الحركة ثابت ولكن شكلها هو الذي يتغيير ويتبدَل بتبدُل الشعور وبالإرادة أو بدونها قهرا، وبقليل من التأمل أيضا نجد أن كثيرين ممن يعملون عن بُعد قد وجدوا حريتهم في ذلك، خصوصا الأسر التي كانت مضطرة لإرسال أطفالها إلى الحضانات بتكلفة ترهق ميزانيتها، ووفرت لها الوقت الكافي لمرافقة أطفالها ورعايتهم بالطريقة الصحيحة بعد عمل يوم شاق!

كل الظواهر تنبئ بأن أسلوب الحياة الجديد ستنبثق عنه أساليب أكثر انفتاحا على عالم التقنيات، وأن كل من يتخلف عنه سيجد نفسه خارج الدائرة الكبيرة التي تحتضن أصحاب الطموحات العالية والأكثر تعاملا مع الأجهزة الذكية التي صارت متوافرة للفقير والغني، وفي حين يعيش العالم بداية هذا التحول الفعلي والمؤثر الذي وُضعت قواعده برضا وقناعة أو بضغط وقوة قاهرة، فإن الدول التي لا تعير أهمية لهذا التغيير لن تقوم لها قائمة ولن يلتفت إليها العالم الذي يتأقلم معه بسرعة هائلة أكثر فأكثر!

* كاتب فلسطيني- كندا

back to top