واقعية الرئيس

نشر في 04-09-2020
آخر تحديث 04-09-2020 | 00:09
 د. فيصل ملفي المطيري اعترف رئيس مجلس الأمة في إحدى مدوناته الاجتماعية بأنه شخص يميل إلى الواقعية في العمل السياسي، ولا أعلم مدى دقته في استخدام مفهوم "الواقعية"، إلا أنني أفهم أنها لا تتوافق عادةً مع المدرسة المثالية التي تحرص على توافق السياسات مع الأخلاق والسلوك. نعم سيادة الرئيس، في النهاية لن يرقد رجل نبيل وسياسي عظيم في قبر واحد، هكذا فهم تشرشل الواقعية، وهكذا كان يتعاطى مع السياسة، وهكذا كان ينتقد مثالية غاندي الأخلاقية، فالواقعية في العمل السياسي تضع المصلحة الوطنية دائماً فوق أي اعتبار. تاريخياً، لم تتوان الواقعية في استخدام القوة والسلطة في انتهاك أعمق القيم والمبادئ الأخلاقية في سبيل الهدف الأعلى والمصلحة الوطنية كما يتصورها الواقعيون أنفسهم، وتورط أشرس رجالاتها "بمشكلة الأيدي القذرة" في نقطة تقاطع الفلسفة الأخلاقية والفلسفة السياسية في أعمالهم. وواقعية سيادتكم تأكدت تماماً في مواقفكم الأخيرة من قضايا التسريبات السياسية والفضائح الأخلاقية المتتالية التي هزت ثوابت المجتمع قبل أركان الدولة ومؤسساتها، وبالمصادفة تأكدت معها أيضاً واقعية ٣٤ نائباً من خلال تهاونهم في اتخاذ أشد إجراءاتهم الرقابية المتاحة لمواجهة تلك الممارسات اللاأخلاقية في المؤسسات الحكومية! ولا يمكن للواقعية السياسية أن تتصرف كذلك بعفوية وسذاجة دون تفكير عواقبي وتقدير دقيق لحجم المكاسب والأهداف التي سيحاولون إقناعنا لاحقاً أنها تصب في المصلحة العامة. وبالرغم من جرأة سلوكهم السياسي وقراراتهم المتهورة، فإنني لا أظن أن الرئيس والسادة النواب متفهمون خطورة الدور الذي يؤدونه في هذا المدخل السياسي وشدة حساسيته بصفتهم ممثلي الأمة! لأن تجاهل ذلك بحد ذاته هو أعظم تجاوز أخلاقي يسيء إلى المؤسسة الديمقراطية ما لم يبينوا للشعب ما الجزء الذي لا يراه من الواقع السياسي؟ وما طبيعة تلك المصلحة الوطنية الغامضة التي يريدونها للشعب في مقابل التنازل عن مثاليته؟ لأنه ليس من المعقول أن يُجرد الشعب من حق تقرير المصير، وذلك فقط لأن أغلبية نوابه قرروا أن يصبحوا في ليلة وضحاها واقعيين!

back to top