بوتين لن يسمح بانتصار الديمقراطية في بيلاروسيا!

نشر في 03-09-2020
آخر تحديث 03-09-2020 | 00:00
 المجلس الأطلسي هل يوشك فلاديمير بوتين على غزو بيلاروسيا؟ يطغى هذا السؤال على النقاشات الجيوسياسية منذ أن اندلعت الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية قبل ثلاثة أسابيع، غداة انتخابات رئاسية شائبة جداً.

أعطى بوتين الجواب بنفسه، فأعلن على التلفزيون الروسي الحكومي في 27 أغسطس تشكيل وحدة احتياطية من قوات الأمن الروسية واحتمال نشرها في بيلاروسيا "إذا خرج الوضع عن السيطرة". بعبارة أخرى، يبدو أن بوتين مستعد لاستعمال القوة عند الحاجة لدعم نظيره الدكتاتوري ألكسندر لوكاشينكو.

يعود خوف بوتين من قوة الشعب إلى سنواته التدريبية كضابط في الاستخبارات السوفياتية في شرق ألمانيا خلال الحرب الباردة، لقد كان شاهداً مباشراً على أولى مراحل سقوط الاتحاد السوفياتي في أوروبا الوسطى، وتكلم لاحقاً عن الرعب الذي انتابه بسبب جمود الكرملين، وحين حاول بوتين الشاب طلب تعزيزات للتصدي للاحتجاجات المتوسّعة ضد السوفيات في "دريسدن" في يناير 1989، قيل له إن "موسكو تلتزم الصمت"، فحرص بوتين على مر 20 سنة في السلطة على ألا تصمت موسكو مجدداً واتخذ مقاربة معاكسة، نتيجةً لذلك، أصبح الحاكم الروسي بطلاً بنظر الطغاة المحاصرين حول العالم، لا سيما في جواره الجيوسياسي.

يرتبط هذا النفور من الديمقراطية أيضاً بالمصالح الذاتية البراغماتية، ويدرك بوتين أن نظامه يتكل في نهاية المطاف على استعمال القوة، فما كان نموذج "البوتينية" ليصمد في ظل بيئة سياسية تنافسية حقيقية، ولهذا السبب تكون الانتخابات الروسية مزورة دوماً ويُمنَع نشوء أحزاب معارضة فاعلة وتخضع وسائل الإعلام المحلية لرقابة مشددة، فهذه التدابير الاحترازية الحقيقة الكامنة وراء ادعاءات الكرملين تكشف ما يدور حول دعم الرأي العام، وفي النهاية لا يحتاج الرئيس الذي يحكم البلد ويحظى بشعبية واسعة إلى إنشاء دولة بوليسية واسعة وإسكات جميع خصومه.

يعرف الكرملين أن نظام لوكاشينكو خسر مصداقيته ولا يحظى بأي شعبية، لكنه لن يسمح لبيلاروسيا بأن تصبح تجربة ديمقراطية ناجحة بكل بساطة لأن هذا التطور قد يؤدي إلى تصاعد الدعوات لإحداث تغيير مماثل داخل روسيا نفسها، ولا يمكن تكرار الأحداث المتلاحقة التي بدأت في برلين في عام 1989 وأدت سريعاً إلى تفكك الاتحاد السوفياتي بأكمله.

بما أن مستقبل نظام بوتين أصبح على المحك، فيجب ألا يتفاجأ أحد بتصميم الرئيس الروسي على دعم لوكاشينكو بالكامل، لكن هذه المقاربة تحمل مخاطر هائلة على الكرملين، وبسبب الحركة الاحتجاجية في بيلاروسيا، قد تتدهور مكانة بوتين مع كل خطوة يتخذها في المرحلة المقبلة.

يؤكد بوتين، من خلال الإعلان عن استعداده لاستعمال القوة دعماً للوكاشينكو، على موقفه المعارض لملايين الناس في بيلاروسيا حيث يُعتبر الدكتاتور الحاكم غير شرعي، وهذا الموقف قد يُحوّل أقرب حليف لموسكو إلى عدو ويُجبر سكان بيلاروسيا على إعادة النظر بمواقفهم الإيجابية السابقة من روسيا، مثلما دفع الهجوم الروسي منذ عام 2014 الأوكرانيين إلى رفض التقارب مع موسكو وتفضيل التكامل الأوروبي الأطلسي، فقد سبق أن أدى خوف بوتين من الديمقراطية إلى تراجع النفوذ الروسي في أوكرانيا إلى أدنى المستويات منذ مئات السنين، فهل سيرتكب اليوم الخطأ نفسه مجدداً في بيلاروسيا؟

على المدى القصير، قد يسمح تدخّل بوتين ببقاء لوكاشينكو في السلطة، لكن دكتاتور بيلاروسيا يجلس اليوم على عرشٍ مصنوع من الحِراب الروسية وقد تكلم بوريس يلتسين، سلف بوتين، يوماً عن صعوبة الجلوس على ذلك العرش لوقتٍ طويل، ومع ذلك قد تكون تدابير موسكو الراهنة لدعم لوكاشينكو أول مرحلة من الرد الروسي على أحداث بيلاروسيا.

خاض المجتمع البيلاروسي صحوة ديمقراطية تاريخية في الأشهر الأخيرة، وبالتالي لا يمكن الرجوع إلى وضع المراوحة السابق، فقد أصبح هذا التطور واضحاً في موسكو ومينسك معاً، وفي المرحلة المقبلة، قد تُسَرّ موسكو على الأرجح بالتضحية بلوكاشينكو البغيض طالما تشارك في صنع القرار خلال عملية انتقالية مدروسة.

يتعلق الهدف الروسي الأساسي بمنع انتصار قوة الشعب، مما يعني احتواء الحركة الاحتجاجية الراهنة وإخماد زخمها ونشر القوات الروسية ميدانياً عند الحاجة لإنجاز هذه المهمة، فلا يمكن أن يبدأ البحث عن تسوية سياسية مقبولة قبل تحقيق هذه الأهداف.

سبق أن بدأ التدخل الروسي في بيلاروسيا ومن المتوقع أن يتصاعد بطريقة دراماتيكية، وفي ظل الاحتجاجات المتأججة في بيلاروسيا للمطالبة بالديمقراطية، قد تضطر موسكو قريباً للتدخل وأداء دور قمعي غير مرحّب به، وقد تترافق هذه الخطوة مع عواقب كارثية على المصالح الروسية في بيلاروسيا وأماكن أخرى، لكنّ هذا الثمن الباهظ يستحق العناء برأي بوتين طالما يمنع انتصار الديمقراطية في جواره.

* «بيتر ديكينسون»

back to top