التركيبة النفسية

نشر في 28-08-2020
آخر تحديث 28-08-2020 | 00:09
 عهود ياسر الجدي سبحان من خلق وأبدع في تصويره، من أوجد الاختلافات والفروق في النفوس والبنى الجسدية، سبحان من جعل السمة الفريدة التي يتميز بها كل شخص وينفرد عن غيره بالبصمة الوراثية، فلا يوجد اثنان لهما البصمة ذاتها؛ إذ إنه بالإمكان تشابههما في حال كانا توءما، إلا أنه من المستحيل تطابقهما كلياً.

وفي المقابل فإن البصمات النفسية مختلفة بين الأشخاص؛ فالوعي والإدراك والمشاعر والانفعالات وطرق التحكم فيها عادة ما تكون متفاوتة، فتارةً نجد أشخاصا لهم القدرة على إدارة غضبهم، وتارةً أخرى نجد تفاقما في ردود الأفعال ووصولها إلى نتائج وخيمة. إن النفس البشرية ما هي إلا خليط احتمالات غير متناهٍ؛ فهي تتضمن الجميل والقبيح، الإيجابي والسلبي، السعادة والحزن، اللذة والألم، الحب والكراهية، لا نملك داخلنا سوى القرار، فإما نختار النور أو العتمة، فالحياة رحلة تبدأ من الطفولة نستمد منها المعتقدات وتترسخ القناعات في عقولنا إيجابية كانت أو سلبية، وهي بدورها تشكل خريطة في عقولنا تتغذى على المعطيات الحسية والمؤثرات البيئية حولنا، ومن ثم تتحول إلى بصمة تترك أينما وجدنا.

على سبيل المثال لا الحصر، الفيلم السينمائي "الجوكر" الذي أحدث ضجة في الأوساط الاجتماعية وبين متابعي الفن السابع، والذي تناول شخصية إنسان عانى الاضطرابات النفسية التي تحولت إلى اضطرابات سلوكية نتيجة للقسوة والعنف والاضطهاد المجتمعي والتنمر من الآخر؛ فتحول من شابٍّ مسالمٍ إلى آخرَ عدوانيٍّ غير قادر على السيطرة على انفعالاته، عكس واقع مجتمعاتنا والاختلافات النفسية والاضطرابات الذهنية والنوبات الانفعالية وردود الأفعال غير السوية.

ومن هنا يبرز دور الدعم المجتمعي والنفسي لهؤلاء الأشخاص في إعادة تأهيلهم، وتعديل تركيبتهم النفسية بما يلائم اندماجهم في المجتمع.

إن اهتزاز وتخلخل التركيبة النفسية بما يصاحبها من مصاعب ومشاكل نفسية هي عملية تراكمية وسلاح ذو حدين؛ فهي تأخذ منحىً استثماريا ثقافيا معرفيا أو منحىً مرضيا مدمرا، فإن جُلّ ما نريده اليوم حقا ونسعى إليه هو الوصول إلى حالة اتزان واستقرار للتركيبة النفسية، وسلامة هويتها وبقائها واستقرارها، وصولاً إلى حالة من التناغم والتوافق والانسجام في المسيرة البشرية.

back to top