الشعب السوري وتداعيات قانون قيصر على حصار الأسد

نشر في 21-08-2020
آخر تحديث 21-08-2020 | 00:00
الرئيس السوري بشار الأسد - الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس السوري بشار الأسد - الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
بدأت تداعيات تطبيق قانون "حماية المدنيين في سورية"، والمعروف بـ"قانون قيصر"، تظهر جلية، في موجة الذعر التي أصابت رجال أعمال وتجّاراً سوريين وعرباً يتعاملون مع نظام الأسد خوفاً من العقوبات الدولية التي بدأت تطول بعضهم، كما يعزو النظام السوري الأزمة الاقتصادية والإنسانية الخانقة داخل سورية إلى البدء بالعمل بهذا القانون، هذا وتزامناً مع بدء تنفيذ القانون، أطلق السوريون على نطاق واسع نقاشاً تحت وسم (هاشتاق) #قانون _قيصر للإعراب عن دعمهم لهذا القانون الذي أعاد إحياء الأمل بتحقيق حمايتهم من وحشية نظام الأسد الحالية وحماية مستقبل سورية من المستفيدين من هذا الصراع بعد زوال الأسد.

ويذكر أن قانون قيصر، الذي جاء بعد أكثر من ثماني سنوات من مطالبة الشعب السوري بالدعم الدولي لحماية المتظاهرين والمدنيين، يهدف إلى حرمان الرئيس السوري بشار الأسد من أي فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض إلى مكسب سياسي يكرس من خلاله فرص بقائه في السلطة إلى أجل غير مسمى.

وتستهدف العقوبات التي ينص عليها القانون، الكيانات التي تعمل لمصلحة الأسد في أربعة قطاعات هي: النفط والغاز الطبيعي، وصناعة الطائرات، والبناء، والهندسة، ويشمل ذلك الدعم المباشر وغير المباشر للنظام، مثل دعم الميليشيات المدعومة من إيران وروسيا العاملة في سورية، وتشمل العقوبات جميع الجهات الدولية والإقليمية التي تتعاون مع الأسد مما يحرمه من فرصة تجاوز هذه العقوبات عبر الالتفاف عليها، كما ستطول أي نشاط اقتصادي بشكل تلقائي، وكذلك أي تعامل مع إيران وأي من الأطراف والجهات الإقليمية والدولية في حال فكرت في الاستثمار أو العمل في سورية.

وفي ظل تلك الظروف، يواجه الأسد أزمة غير معهودة تتعلق بـ"لقمة العيش" التي أصبحت عصية وبعيدة عن متناول يد الغالبية العظمى من السوريين في مناطق سيطرته، وأفواه جائعة فقدت الأمل في تحسن ظروف معيشتها تحت سياساته، كما شهدت قيمة الليرة السورية تدهورا بشكل غير مسبوق، إذ تراجعت حتى 3000 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي مما استدعى تدخلاً من مؤسسات أمنية أجبرت رجال أعمال وكبار تجار سوريين على رفد الخزينة العامة دعماً لليرة السورية التي فقدت نحو 70 في المئة من قيمتها منذ شهر أبريل الفائت، فاستقرت على ما يقارب 1600 ل.س مقابل دولار أميركي، وقد أدى هذا إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت في حين الطوابير أمام المخابز طويلة مع غياب الكثير من السلع من السوق ومنها الدواء.

ومع هذا التدهور المعيشي فقد غالبية السكان الأمل في أي تحسن في أوضاعهم في ظل النظام الذي يتسبب بحصار جديد وصلت تداعياته إلى مؤيديه، والذين أصبحوا بمثابة قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة.

وفي هذا الصدد، انطلقت احتجاجات عارمة في الجنوب السوري حيث لحقت مدينة درعا بمدينة السويداء التي تعتبر حاضنة الدروز ثاني أكبر الأقليات السورية التي قامت بتظاهرات متعددة تطالب بإسقاط الأسد كحل لمعاناة البلاد.

وفي غضون المجريات الأخيرة يقوم بشار الأسد بإقالة ضباط كبار، ونقل وتبديل أماكن خدمة آخرين، وأيضاً قام بتعين عشرين ضابطاً علوياً جديداً في ميلشياته، حيث يبدو واضحاً أنه يحاول ترتيب أوراقه من جديد أو تحسباً من قيام فعل عسكري ضده، وخصوصاً بعد تزايد استياء ضباط على رأس أعمالهم في مناطق مختلفة من سورية وفي مواقع مهمة ورتب رفيعة، يُحمِّلونَ بشار الأسد بشكل مباشر مسؤولية التدهور الحاصل في أنحاء البلاد، بل ينحو بعضهم إلى التلويح بالرغبة في الانشقاق كما فعل ضابط في أحد المطارات العسكرية، ويجدر بالذكر أن الموت المتزامن وغير المبرر والواضح لعدد من ضباط الصف الأول قد أثار كثيراً من الغضب والتساؤلات.

وعلى الرغم من أن هناك شريحة كبيرة من السوريين ترى أن ما قبل قيصر ليس كما بعده، ويرجونَ أن يحمل هذا القانون بذور حل جذري في سورية من خلال آليات عمله التي تهدف إلى حصار المستفيدين من الصراع في سورية، وفتح أبواب الحل السياسي الذي ينهي وجود الأسد ويؤسس للمصالحة الوطنية.

ومع ذلك، فإن لقانون قيصر بعض السلبيات التي انعكست آثارها على السوريين في مناطق سيطرة النظام، وفي هذا الإطار يرى بعض المحللين "أن عقوبات قانون قيصر لا تعاقب النظام السوري بقدر ما تعاقب السوريين المقيمين في مناطقه لأنها تدفع بحياتهم إلى مزيد من الفقر والمعاناة، خصوصا في ظل سياسات النظام السابقة التي مكنت لهذا الفقر وتلك المعاناة اليومية.

ومع ذلك، تم التوصل إلى حل وسط، حيث يتم توجيه المساعدات الآن فقط عبر معبر باب الهوى الدولي- الواقع بين تركيا وشمال سورية وخارج سيطرة النظام المباشرة- بعد إغلاق معبر باب السلامة الإضافي، ومن ثم فإن بقاء باب الهوى مفتوحا على الرغم من الجهود الروسية لإعادة توجيه المساعدات حصريا عبر النظام السوري، سيضمن وصولها إلى جميع السوريين دون الخضوع لأهواء وشروط الصراع، وقد يؤدى ذلك إلى استقرار المنطقة لأطول فترة ممكنة، مما يسمح بالضغط أكثر على نظام الأسد وحلفاؤه من خلال قانون قيصر لحماية المدنيين.

ويكمن السبب الرئيس في ذلك في أن تلك العقوبات التي يفرضها القانون تطول المؤسسات الحيوية التي تقوم بتأمين مستلزمات الحياة الأساسية من مأكل ولباس وأدوية لملايين السوريين، ومن أمثلة تلك المؤسسات مصرف سورية المركزي وعدد آخر من المصارف وقطاعات النفط والغاز والبريد والخطوط الجوية السورية وشركات تصدير واستيراد السلع والخدمات، كما أثار تطبيق القانون الوشيك مخاوف بين عدد من الشركات التي لها مقرات في لبنان وتقوم بعد أنشطة اقتصادية في سورية، الأمر الذي قد يدفع باقتصاد البلاد المتعثّر إلى الاقتراب من حافة الهاوية.

وعلى الرغم من الآثار الخطيرة للعقوبات، فمن غير المتوقع أن يكون هناك أي رد فعل إيجابي من قبل النظام، وعلى الرغم من أن إدارة ترامب لم تعد تصرّ على ضرورة تنحي الأسد عن الحكم، لكنها عوضا عن ذلك تشدّد على تغيير سلوك نظامه، فمن غير المتوقع أن يستجيب نظام الأسد لأي حلول سياسية، خصوصا بعد الحملات العسكرية التي قام بشنها مؤخرا على مواقع المعارضة في الجنوب السوري.

علاوة على ذلك، يخشى السوريون بشكل أساسي من استمرار النظام وحلفائه في التلاعب بالمساعدات الدولية المخصصة للشعب السوري، فخلال سنوات الصراع استغل النظام بشكل منهجي ملف المساعدات كورقة سياسية لتعزيز سيطرته، وفي هذا الإطار عمل المسؤولون الأميركيون على ضمان عدم استخدام المساعدات لمصلحة النظام السوري مع ضمان استمرار تدفق المساعدات لضمان عدم استخدام قانون قيصر ضد المدنيين السوريين.

وعلى هذا النحو، يجب أن تعمل الولايات المتحدة مع المعارضة السورية والجهات الدولية المعنية على بلورة كيان سياسي موحد قوي وجامع من كل الأطراف السورية من الخارج والداخل.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي المهتم بدعم السلام في سورية أن يعمل مع السوريين الذين يؤمنون بسورية الجديدة والمستقرة والذين يلتزمون بحمايتها خلال المرحلة الانتقالية عن طريق العمل السياسي على كل الصعد، ولتحقيق ذلك يمكن للولايات المتحدة أن تقوم بالضغط على روسيا وتركيا كونهما اللاعبين الرئيسين للوصول إلى حل سياسي لا يكون الأسد جزءاً منه، وذلك تلبية لرغبة الغالبية من السوريين.

والأهم من ذلك يجب على الولايات المتحدة أن تدرك أن العقوبات التي يحملها القانون ستطول بشكل غير مباشر شريحة كبيرة من الشعب السوري، ويجب العمل على تخفيف تداعياتها عليه باستمرار وتقديم المساعدات واستهداف الشرائح المتضررة من هذا القانون من خلال دعم منظمات المجتمع المدني والمؤسسات المستقلة التي لا يستهدفها القانون، مما سيسهم في غلق الباب أمام أي دعاية قد يطلقها النظام محملا الولايات المتحدة مسؤولية تدهور الأوضاع في سورية.

● عشتار الشامي

back to top