الإصلاح عمل وسياسات لا أقوال وتطمينات

نشر في 12-08-2020
آخر تحديث 12-08-2020 | 00:20
 محمد المقاطع في عام 1964 شكَّل أول مجلس للأمة منتخب في الكويت أولَ لجنة برلمانية لتتولى "التحقيق وإصلاح الجهاز الإداري"، وكانت الكويت حينذاك تشهد نهضة شاملة على كل المستويات، منذ 1950 وحتى تاريخ تشكيل اللجنة في عام 1964؛ فقد توالى صدور قوانين البنية التشريعية في الدولة، وتم تنظيم الأجهزة والمرافق والوزارات، وصدر الدستور، وأنشئت المحاكم، ونالت الكويت استقلالها، وبدأت عجلة بناء الكويت المعاصرة بشكل سريع وفعال، وكان أمير الكويت هو عبدالله السالم الصباح، رحمه الله، المعروف بحزمه، وحرصه على بناء الكويت بمؤسساتها ومرافقها.

وعلى الرغم من كل ذلك شكَّل مجلس الأمة عام 1964 لجنة تحقيق لبحث إصلاح الجهاز الإداري، ولَم يترتب على ذلك أي ردة فعل للتشكيك في العمل البرلماني أو تحميل مجلس الأمة تبعات عرقلة العمل الحكومي أو التعاون بين السلطتين، بل مضت مسيرة مجلس الأمة وقدم تصوراته بشأن إصلاح الجهاز الإداري.

في عام 1976 حُل مجلس الأمة، خلافاً للإجراءات الدستورية، وعُلق العمل بالدستور، ومنذ ذلك التاريخ بدأت تتعالى أصوات الذين ضيَّق مجلس الأمة، مع الجهات الرقابية، على ممارساتهم المتجاوزة للقانون، أو من كانت سياساتهم مزاجية، أو يحاولون الإثراء على حساب المال العام، فرفعوا العديد من اللافتات المحرضة على مجلس الأمة والمشاركة الشعبية الحقيقية والبناء الديمقراطي للدولة، فظهرت لافتات "مجلس التأزيم... تعطيل التنمية... عرقلة الحكومة... تراجع الكويت"، وكان الهدف واضحاً، وهو إيجاد مسوغات للسلطة للتخلص من مجلس الأمة ووأد الدستور وعرقلة النظم والنهج المؤسسي، الذي بدأ يترسخ في الدولة ومؤسساتها، والرقابة على مواردها وصرف أموال الدولة العامة.

وقد سجلت الكويت منذ ذلك التاريخ، أقصد 1976، وما زالت حتى اليوم، أسوأ الأزمات الاقتصادية والسياسية، وتفشت فيها مظاهر الفساد المالي، وأُهدرت فيها النظم، وتدهور العمل المؤسسي للدولة بمرافقها وأجهزتها، وتضخم الجهاز الإداري وترهل، وتزايد دور الأجانب في الإدارة الحكومية بشكل مخيف، وظهرت المحسوبية والواسطة، مع غياب العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتزايدت السرقات والنهب للمال العام بمناقصات موجهة وفاسدة، أو بعمولات مخزية أو قذرة، وطفت على السطح طبقة سياسية طفيلية التوجه والممارسة على كل المستويات، ونجحت بابتلاع ثروات البلاد ونهبها، فالوفورات المالية بددت أو سرقت، ودخلت الدولة في عجز موازنة الدولة لسوء الإدارة الحكومية وتفريطها بمسؤولياتها، وراجت فكرة نائب الخدمات والمال السياسي الفاسد، الذي شكل حلقة للنزيف السياسي والمالي والاجتماعي والتنموي للدولة، فلا غرو أن تحصد الكويت نتيجة لكل ذلك تقهقراً سياسياً وديمقراطياً، وهدراً مالياً، وتآكلاً للبناء المؤسسي، وتدهوراً للبنى التحتية، وأصبحنا في ذيل قائمة الدول في كل المستويات، وفِي المؤشرات الدولية والآثار السلبية المباشرة وطنياً.

ومنذ عام 1976 والكويت تعيش جملة من الاختلالات الاقتصادية والسياسية والسكانية والإسكانية والتعليمية والصحية والثقافية والديمقراطية، فتراجع كل شيء، ووُئدت الحريات وأُفرغت السلطات من مقوماتها وتعطلت منظوماتها، وتآكلت مؤسّسيتُها حتى بلغت الكويت حالة أسوأ من حقبة ما قبل الاستقلال، وكل تلك الاختلالات في تفاقم مستمر.

ومنذ عام 1976 والحكومات المتعاقبة تطلق الوعود وترفع الشعارات، وتتحفنا بالخطابات وتكرر التطمينات، لكنه كلام للاستهلاك السياسي وللتخدير الاجتماعي، ولذا فقد شُيّد وطن من السراب، رغم امتلاك مقومات البناء القويم للدولة وتحقيق تنمية حقيقية، وقد بات اليوم تبديد سحب الوعود بالتحول للإنجاز الحقيقي خياراً ملحاً، وهو لن يتحقق إلا بالقضاء على كل مظاهر الفساد السياسي والمالي والاجتماعي، الذي أدى لتآكل الدولة، وهو يستلزم عملاً وسياسات، ولا مجال لبيع الناس وعوداً وتطمينات، وكلما أتانا مسؤولون أو أعضاء مجلس للأمة كان أغلبيتهم هم مصدر الفساد وهدم الدولة، وعلى الناس أن تقسو ولا تتسامح مع الطبقة السياسية بعد اليوم، فالكويت لن تحتمل مزيداً من التردي، وإلا فسيكون مآلها الضياع، والعياذ بالله.

back to top