موسكو تقوّي علاقاتها مع طهران

نشر في 12-08-2020
آخر تحديث 12-08-2020 | 00:00
 المونيتور بينما تحاول إيران وروسيا الحد من النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، تفتقر الولايات المتحدة إلى القوة الكافية للتصدي للنفوذ الصيني والروسي المتوسّع في المنطقة.

زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف موسكو الشهر الماضي للمرة الثالثة في ستة أشهر لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين الروس. لطالما كانت إيران وروسيا غريمتَين منذ نشوء العلاقات الدبلوماسية بينهما في القرن السادس عشر، لكنهما تحاولان اليوم تطوير علاقة ثنائية وثيقة.

في يوليو 2019 بدأت إيران تتجاوز الحد الأقصى المسموح به لمخزون اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي تملكه وتُحدّده "خطة العمل الشاملة المشتركة"، كذلك ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران وسّعت مخزونها من اليورانيوم المُخصّب بثلاثة أضعاف تقريباً منذ نوفمبر 2019، وفي الوقت الراهن أصبح المخزون الإيراني شبه متساوٍ مع الكمية اللازمة لإنتاج سلاح نووي.

وبعدما فشلت استراتيجية حافة الهاوية العدائية على المستويَين النووي والعسكري في إطلاق مسار النمو الاقتصادي، لجأت إيران إلى روسيا وإلى الصين التي تتفاوض معها طهران على اتفاقيات تجارية وعسكرية شاملة.

في آسيا الوسطى الغنية بالموارد والمعروفة تاريخياً بعمقها الاستراتيجي بالنسبة إلى روسيا في مواجهتها مع إيران وقوى إقليمية أخرى، عقدت روسيا وإيران شراكة وثيقة، وبفضل القواعد العسكرية في طاجيكستان وقيرغيزستان، تعاونت روسيا مع إيران ضد مهرّبي المخدرات والمقاتلين القادمين من أفغانستان. يتمتع كل واحد من هذين البلدَين بقوة ثقافية ولغوية وتاريخية في المنطقة، فتقدّم إيران طريقاً فريداً من نوعه لنقل مصادر الطاقة من دول آسيا الوسطى إلى الخليج العربي وقد بَنَت بالتعاون مع الصين سكة حديد تربط بين تركمانستان وكازاخستان في عام 2014.

اعتبر الكرملين الوضع القائم فرصة لاستغلال مكانة إيران كدولة منبوذة منذ منتصف التسعينيات، حين وافقت روسيا على بناء محطة للمفاعلات النووية في محافظة "بوشهر"، فباعت روسيا نظام الدفاع الصاروخي "إس-300" لإيران ووقّعت على اتفاق عسكري بقيمة 10 مليارات دولار في 2016 وقد شمل مروحيات وطائرات وأنظمة مدفعية.

على صعيد آخر، تُعتبر روسيا من أشرس المدافعين عن إيران في الأمم المتحدة وقد دافعت عنها مجدداً في مايو الماضي، حين أكّد سفير روسيا لدى الأمم المتحدة على أن الكرملين سيعارض أي توسيع لقرار حظر الأسلحة ضد إيران.

تواجه روسيا بدورها عقوبات خاصة بها بسبب إقدامها على ضم شبه جزيرة القرم بطريقة غير شرعية ومهاجمتها لأوكرانيا ومحاولتها اغتيال ضابط الاستخبارات العسكرية الروسية السابق سيرغي سكريبتال، لذا تشجّعت على عقد شراكة مع إيران التي تتكل على موسكو باعتبارها شريكة تجارية أساسية نظراً إلى وفرة احتياطياتها النفطية، وحليفة عسكرية في الشرق الأوسط حيث تتوافق مصالح الكرملين مع مصالح طهران حتى الآن.

تتقاسم إيران وروسيا مصلحة مشتركة واستراتيجية واحدة لمجابهة الأميركيين، وفي حين تحمّلت الولايات المتحدة أعباء تدمير "الدولة الإسلامية" ومحاربة تنظيم "القاعدة"، تُركّز طهران وموسكو على الحد من النفوذ الأميركي السياسي والعسكري والاقتصادي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا.

لطالما كان التنافس المحتدم بين القوى العظمى واقعاً ملموساً منذ أكثر من قرن في الشرق الأوسط، رغم أخذ استراحة قصيرة غداة انهيار الاتحاد السوفياتي، ومن الواضح أن إيران تتوقع الاستفادة من تطور علاقاتها الثنائية مع روسيا والصين وتُرحّب بنفوذهما المتزايد في الشرق الأوسط، حتى أنها قد تذهب إلى حد تأجيج المواجهة بين موسكو وبكين بما يخدم مصالحها.

بعدما أُنهِكت الولايات المتحدة من السياسة المكلفة التي تبنّتها إدارة بوش وتمحورت حول تحقيق المصالح الأميركية عبر تغيير الأنظمة، ها هي تفتقر اليوم إلى القوة الكافية لمجابهة النفوذ الصيني والروسي المتنامي في الشرق الأوسط، علماً أن قدرة إيران على التصدي للعقوبات الأميركية والاستراتيجيات الرامية إلى منع طهران من اكتساب أسلحة نووية تتوقف بشكلٍ متزايد على ذلك النفوذ تحديداً.

* «دانيال هوفمان»

back to top