خطاك الشر يا ألبي

نشر في 07-08-2020
آخر تحديث 07-08-2020 | 00:03
 تهاني الرفاعي يقول نزار قباني:

"إن كوناً ليس لبنان فيه

سوف يبقى عدماً أو مستحيلاً".

لبنان بلد الطفولة ومثوى أهلي وأحبائي، لبنان دمي وعشق ترَعرع "فيني"، لبنان بياض علمني أن أحب بنقاءٍ يشبه صفاء ثلجه، لبنان أرض علمتني أن أحب البساطة، أتذوق الفن، وأشتم رائحة الورد وحقول الخزامى، لبنان قلب حنون وفي لبه روح شامخة تشبه شجرةِ أرزه، ما كان صانع عَلَمه عابثا، فهو يفهم جيدا معنى الحب والحياة، يفرح قلبي أنسه، ويوجع قلبي ألمه.

مشهد الانفجار الذي ضرب بيروت سمعت دويهِ في قلبي، قطعني أشلاء دون أن يلملمني، بقيت مبعثرة، وصرخات الناس: "يا لطيف.. يا لطيف.. يا الله" تطن في رأسي، ليتني أستطيع أن أرمم الخراب بعظامي، علها أشد ثباتا من طوب مهمل غير حصيف! ولأول مرة أفلس من التعبير، فلا شيء يواسي جرحا غائرا لا ينفع معه غرز الترميم أو أي دواءٍ يسكن الأنين، فالعالم كله شهق مذهولا، انتهى مشهد الدوي وبقيت أفواهنا مشدوهة نعيد المقطع مرارا وتكراراً!

هل هو قيام الساعة؟ أم فوتوشوب؟ بالله أخبروني أنه مفبرك غير حقيقي، فالزيف أهون من جرح الوطن!

مذ كنا صغارا كان يدهشني جمال تأقلم البسطاء رغم صعوبة الظروف، إلا أنهم، يداً بيد، متعايشون بـ"هضامة" رغم مر ما يجابهون يوميا، كانت قصة "موتور الكهربا" قصة النضال اليومية، وكانت الحرب الأهلية وتحرشات إسرائيل الأبدية أكثر الأشياء تعقيدا. كنت في كل مرة أتأمل البحر المقابل "للبلكون"، أرى بوارج إسرائيلية ضخمة لا تحرك ساكنا، كان وجودها يريبني ويشعرني أنني مستهدفة، وفي كل مرة أسأل جدتي عن سبب إصرارهم على البقاء في لبنان فكانت ترد ببداهة مفرطة: "لأنها سويسرا الشرق".

صدقت بما قالت لأن لبنان ساحرة فتنت هذه الأرض، وبدلا من الذود عنه راحو يتسابقون لنهبه ونهش جلده دون رحمة! وما زلت أذكر جيداً امتعاض وتذمر جدتي المستمر في كل مرة تتابع الأخبار السياسية، حتى ينتهي بها الأمر لـ"سد بوز" التلفزيون من "عرقو"، ومن ثم تشرب "التركش" بشراهة وكأنها تشفي غليل "قلبها المحروق على وطنها"، فصراعات الساسة و"أرف" السلطة من الأشياء التي لا حل لها، سوى التحسب لله.

لبنان عظيم كجبل لا يهزه ريح رغم صغر حجمه وتوالي الأيادي الغاصبة عليه، لا يزال جميلا ويانعا يكوي ببهائه غل الكارهين، ورغم جرح قلبه فإنه سيطيب ويزهر ككل مرة، فلا خوف عليك، يا أرزة سترجع شامخة وباقية رغم أنف الحاقدين! وإن سألوك يوما عن قصةِ الجبلِ الأشوس فقل: لبنان وما أدراك ما لبنان! جمال يوسف رغم حزن أبيه وكره إخوته.

back to top