لعبة المناورة التركية بين الولايات المتّحدة وروسيا

نشر في 31-07-2020
آخر تحديث 31-07-2020 | 00:02
قوات تركية على حدود مع الأراضي السورية
قوات تركية على حدود مع الأراضي السورية
أعربت واشنطن عن معارضتها لخطوات أنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط حيث تواجه تركيا أزمة مع اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل حول حقوق استكشاف الهيدروكربون، وفي الآونة الأخيرة، استهجنت واشنطن أيضاً إعلان أنقرة عزمها اجراء مناورات عسكرية مشتركة مع جمهورية قبرص الشمال.
الشيء الوحيد الذي تستطيع تركيا التعويل عليه هو تفاقم النزاع بين واشنطن وموسكو الى النقطة التي تتفوق فيها الحاجة الى العمل مع أنقرة على أي مشاعر عداء نحو الرئيس رجب طيب اردوغان وحكومته.

وتجدر الاشارة الى أن العامل الرئيسي الذي يحول دون الانهيار التام لسياسة تركيا الخارجية - في ضوء عزلة أنقرة المتزايدة على الصعيد الدولي – كان قدرة اردوغان على استخدام موقع بلاده الاستراتيجي اضافة الى الخلافات بين القوى الاقليمية والدولية.

وقد استغل اردوغان التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط وبنجاح نسبي وهو يحاول تحقيق طموحات تركيا الاقليمية.

وأرغمت قيمة تركيا الجيواستراتيجية المستمرة واشنطن وموسكو على الحفاظ على علاقة عمل مع اردوغان على الرغم من خلافهما العميق مع أنقرة حول الكثير من القضايا. كما أن الصداقة الشخصية التي أقامها اردوغان مع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في الماضي قد عززت أيضاً قوة الموقف التركي. وأسهم ذلك في تفادي حدوث أزمات خطيرة كان يمكن أن تتصاعد الى حد مواجهة عسكرية مباشرة بين القوات التركية والأميركية والروسية وخاصة في سورية.

الدعم الروسي الخفي

ولم تتراجع أنقرة عن استخدام علاقاتها المذكورة مع الولايات المتحدة وروسيا عند الحاجة وكانت تعتمد على الدعم الروسي الخفي من أجل الحصول على موطئ قدم في سورية بغية محاربة عناصر وحدات الحماية الكردية التي تحظى بدعم أميركي وتقول تركيا عنها إنها منظمة ارهابية.

وتعتمد تركيا في الوقت الراهن على دعم الولايات المتحدة في شمال غرب سورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من روسيا والذي يسعى الى استعادة السيطرة على مدينة ادلب والمناطق المحيطة بها. وفي غضون ذلك تعتمد تركيا بالمثل على دعم ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأزمة المتفاقمة في ليبيا حيث تدعم تركيا وروسيا الأطراف المتصارعة.

ويكشف هذا الاعتماد، على أي حال، عدم قدرة حكومة أنقرة على العمل والتصرف ازاء الأحداث المتسارعة من دون درجة من نوع ما من الدعم العلني والخفي من جانب واشنطن أو موسكو. ويشكك كثير من الخبراء والمحللين في قدرة تركيا على تحقيق أي تقدم كبير في الأراضي السورية من دون توافر مثل ذلك الدعم.

مصاعب تواجه إردوغان

وتجدر الاشارة الى أن اردوغان يواجه في ضوء التطورات الميدانية أوقاتاً صعبة وقاسية وهو يحاول تأكيد وترسيخ سياسة بلاده الخارجية، ويأتي ذلك أيضاً في وقت تتصاعد فيه طموحاته الاقليمية وبالتالي فقد أصبح في حاجة الى درجة من الدعم الدولي أكثر من أي وقت مضى.

وكبداية نقول إن "تودد" اردوغان الى الرئيس بوتين فقد بريقه السابق، وفي غضون ذلك، أدى الخوف من احتمال خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر المقبل الى تعطل الدوائر الرسمية وصنع القرار في أنقرة.

وتتصرف تركيا وروسيا اليوم مثل قوى متنافسة الى حد كبير كما كان حالهما دائماً في سورية وليبيا وليس مثل شركاء كما تدعيان. وتستمر موسكو في الاصرار على ضرورة مغادرة القوات التركية الأراضي السورية بعد انجاز المهمة التي كلفت بها وهي القضاء على العناصر الجهادية في مدينة ادلب. ومن جهته كرر اردوغان في الآونة الأخيرة القول إن تركيا سوف تبقى في سورية "الى أن يحصل الشعب السوري على السلام والحرية والثقة".

وفي استهداف واضح لروسيا انتقد اردوغان أيضاً الانتخابات التي جرت في سورية أخيراً وهكذا تستمر مشاكل تركيا الأساسية مع روسيا في سورية ومع ظهور خلافات في أماكن اخرى أيضاً. وتختلف وجهة نظر البلدين ازاء المستقبل السياسي لسورية والدور الذي يمكن للرئيس بشار الأسد لعبه في ذلك الصدد.

حروب الوكالة في ليبيا

وتتفاقم مشاكل تركيا مع روسيا في الأزمة الليبية بعد دخول البلدين معركة حرب الوكالة وتستمر موسكو في محاولة تعزيز موقف المشير خليفة حفتر بعد تعرض قواته لهزائم شديدة في أعقاب الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق الوطني.

وفي حين أعلنت أنقرة في الظاهر دعمها لدعوة موسكو الى وقف فوري للنار في ليبيا فقد أشارت في كلمات كثيرة الى أنها لا ترغب في حدوث ذلك لأنه سوف يوقف الزخم الذي حققته حكومة الوفاق الوطني ضد قوات المشير حفتر – وهي وجهة نظر أكدها في الآونة الأخيرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو في مقابلة مع شبكة تي آر تي.

في غضون ذلك، يحتمل أن يلقي استئناف النزاع بين أرمينيا وأذربيجان بظلاله على علاقات تركيا السياسية مع روسيا وخاصة بعد أن تعهدت أنقرة بدعم أذربيجان بكل وسيلة ممكنة.

وعلى الرغم من أن موسكو تنفي أي صلة لها بهذا الوضع غير أن المناورات العسكرية التي أجرتها القوات الروسية على مقربة من منطقة النزاع أثارت اهتمام أنقرة من حيث ضخامة حجمها وتوقيتها.

من جهة اخرى، فإن أونال شيفيكوز وهو دبلوماسي تركي متقاعد سبق أن عمل سفيراً لبلاده في باكو ويشغل في الوقت الراهن منصباً رفيعاً في الحزب الجمهوري المعارض يشير الى قيام القوات الروسية بحماية حدود أرمينيا مع تركيا في خطوة تعتبر لافتة في الوقت الراهن.

توتر العلاقات الثنائية

وأبلغ شيفيكوز صحيفة جمهورييت التركية أن "هذا النزاع سوف يدفع أرمينيا بكل تأكيد نحو روسيا وتوجد امكانية لأن تواجه روسيا وتركيا توترات في علاقاتهما الثنائية قد تصل الى حد نقطة جديدة من عدم الاستقرار".

في غضون ذلك لم يساعد قرار اردوغان تحويل كاتدرائية أيا صوفيا من متحف الى مسجد في تحسين صورته في موسكو أيضاً، وبحسب متحدث باسم الكنيسة الروسية فإن تلك الخطوة تمثل "صفعة وجهتها القيادة التركية الى الكنيسة الأرثوذكسية".

وقالت وكالة أنباء سبوتنيك الروسية إن الرئيس بوتين نقل الى اردوغان في مكالمة هاتفية في 13 يوليو "ردود الفعل الاجتماعية الواسعة التي أحدثها القرار المتعلق بوضع أيا صوفيا في روسيا".

وتبدو العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا سيئة أيضاً مع تراجع شعبية دونالد ترامب أمام منافسه جو بايدن في سباق الرئاسة في شهر نوفمبر المقبل، كما أن بايدن المعروف بعلاقاته الوثيقة مع جماعات الضغط اليونانية والقبرصية والأرمنية في واشنطن والمعادية لتركيا طوال فترة عمله السياسي لا يشعر بكثير من التعاطف مع تركيا ويقال انه لا يعير اهتماماً لاردوغان.

وعلى الرغم من جهود ترامب لصالح الحكومة التركية فقد حرمت أنقرة من الحصول على طائرات (اف – 35) الأميركية المقاتلة بسبب شرائها أنظمة دفاع جوي روسية (اس – 400).

الى ذلك فقد تردد ترامب أيضاً في تطبيق مطالب الكونغرس الداعية الى فرض عقوبات على تركيا بسبب شراء أنظمة الدفاع الروسية ولكن مجلس النواب الأميركي تبنى أخيراً تشريعاً جديداً يجبر ترامب على فرض تلك العقوبات.

وقد أغضب قرار ترامب تمكين تركيا من القيام بعملية عسكرية في أواخر العام الماضي ضد قوات الحماية الكردية في شمال شرق سورية، بايدن والكثير من أعضاء الكونغرس لأنهم اعتبروا ذلك "خيانة للأكراد حلفاء أميركا".

وفي غضون ذلك، أعربت واشنطن أيضاً عن معارضتها لخطوات أنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط حيث تواجه تركيا أزمة مع اليونان وقبرص ومصر واسرائيل حول حقوق استكشاف الهيدروكربون. وفي الآونة الأخيرة، استهجنت واشنطن أيضاً اعلان أنقرة عزمها على اجراء مناورات عسكرية مشتركة مع جمهورية قبرص الشمال، وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في حيث الى الصحافيين: "هذا جزء من جهودنا الرامية الى تعزيز العلاقات مع الشركاء الاقليميين الرئيسيين وتحسين الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط".

مخاوف أنقرة

ويعتقد كثير من المراقبين في أنقرة أن الخطوة التي اتخذتها واشنطن أخيراً وملاحظات بومبيو كانت تستهدف تركيا، وثمة خوف آخر يتردد في أنقرة وهو أن فوز بايدن في سباق الرئاسة سوف يدفعه الى التدخل في قضايا تركيا الداخلية.

جدير بالذكر أن ترامب لا يزال يعتبر البديل الأفضل للعلاقات الأميركية – التركية في المستقبل خصوصا أن الأحداث الاقليمية تشير الى أن الأوضاع تسير نحو مزيد من الصعوبات مع ازدياد عزلة أنقرة الدولية.

وفي نهاية المطاف يبقى الأمل الوحيد أمام تركيا هو أن يتفاقم النزاع بين الولايات المتحدة وروسيا الى درجة تصبح معها الحاجة الى العمل مع أنقرة أكثر أهمية من أي عداء نحو اردوغان وحكومته.

*سميح إيديز

إردوغان استغل التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط وشرق المتوسط بنجاح نسبي وهو يحاول تحقيق طموحات تركيا الإقليمية

قيمة تركيا الجيواستراتيجية المستمرة أرغمت واشنطن وموسكو على الحفاظ على علاقة عمل مع إردوغان رغم خلافهما العميق مع أنقرة
back to top