داء العنصرية

نشر في 24-07-2020
آخر تحديث 24-07-2020 | 00:09
 عهود ياسر الجدي تتعالى الأصوات وتنادي بالحقوق الإنسانية، والقليل جدا من يعي تلك الحقوق ويسعى إلى تحقيقها، ولعل العنصرية أبشع جريمة ترتكب ضد البشرية، فمازالت مستمرة إلى يومنا هذا والشاهد الأحداث العنصرية الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية وما لقيه جورج فلويد أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.

البعض قد تتشكل لديه صورة نمطية متدنية منذ الأزل بأن انتهاك الحقوق البشرية أمر طبيعي ولا مناص منه، فقد تجذرت الكراهية في نفوس البعض، وسيطرت المعتقدات والقناعات الزائفة على العقل على مر السنين؛ إذ ساد الوهم بأحقية شعب على شعب، ولون بشرة على آخر، وجنسية دون أخرى.

إن العنصرية، أياً كانت مسبباتها ومبرراتها، مرض يصيب العقل البشري؛ فتعمل على إفراز أفكار وأوهام تعاكس الواقع وتنافي الحقيقة، وهذا المرض بطبيعة الحال يوهم صاحبه بالفكرة الخاطئة بأن البشر من أجناس مختلفة وطبقات متفاوتة، وهو بالطبع ما يناقض قوله تعالى في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". إذاً الفرق في التقوى لا في النسبية أو اللونية.

في الحقيقة إن داء العقول أشد فتكاً من داء الأبدان، والعديد من الأمراض والأوبئة والكوارث التي اجتاحت العالم قد شفيت منها، إلا داء العقول فهو ما برح ينخر إلى يومنا هذا العقليات والمجتمعات، فالجنس البشري واحد على هذا الكوكب، مكون من أشخاص سماتهم مختلفة، طباعهم متمايزة، إلا أننا في النهاية عبارة عن وحدة بشرية متكاملة بالاختلاف، مترابطة بالتنوع، معزوفة موسيقية ذات تناغمٍ جميل، وتوافقٍ رائع في كل الأطياف والعلاقات.

كُل داء وله دواء إلا العنصرية أعيت من يداويها، وسيظل هذا الداء واحدا من أبرز الأمراض المجتمعية على مر السنين، يتغذى على الجهل وضيق الأفق والمدارك، وسيظل الترياق الأمثل ضده تنقيح العقول وتفنيد المعتقدات، وقلع جذور الكراهية المتوغلة في النفوس، وسقيها بالحب والاحترام والكفاح المستمر ضد كل ما يشوب صفاءها ونقاوتها.

back to top