الأصول العنصرية لعنف الشرطة الأميركية

نشر في 24-07-2020
آخر تحديث 24-07-2020 | 00:00
أسهم تورط الولايات المتحدة في قضايا الشرق الأوسط في نقل أساليب مماثلة من التعذيب الى الوطن وقد تطورت فكرة النظر الى المواطنين الأميركيين من ذوي البشرة السمراء على أنهم من الأعداء المحتملين، ويحذر الخبراء من تجاهل التوجه نحو النظرة السلمية في المجتمع الأميركي والانعكاسات المحتملة لتصاعد العنف العرقي هناك.
تصاعدت الاحتجاجات في شوارع المدن الأميركية خلال شهر يونيو الماضي وقابلتها ردة فعل عنيفة من قوات الشرطة كانت أشبه باعلان حرب. وقد استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين وهددت باستخدام السلاح ومزيد من العنف. وشجب نقاد هذه التصرفات لأنها – في رأيهم – خرجت عن نطاق القوة “السلمية” المفروضة في الولايات المتحدة وتحولت بالتالي الى “جيش احتلال” حوَّل المدن الأميركية الى جبهات قتال.

وتنتشر اليوم بقوة الدعوة الى منع عسكرة الشرطة في الولايات المتحدة كما دعا راند بول وهو سيناتور جمهوري من كنتاكي والسيناتور برايان شاتز وهو ديمقراطي من هاواي في الشهر الماضي الى الغاء البرنامج 1033 الذي يسمح لرجال الشرطة بالحصول على معدات حربية تصل قيمتها الى مليارات الدولارات، وهذه الشكوى ليست جديدة على أي حال. وفي عام 2014، على سبيل المثال، انطلقت مسيرات احتجاج واسعة في مدينة كونكورد بولاية نيو هامبشير بعد تردد أنباء عن قرب تلقي ادارة الشرطة هناك لأعتدة حربية ثقيلة تشمل دبابات.

وربما سيكون من الصعب أن تثمر هذه الجهود اذا لم تأخذ في الحسبان التاريخ الخفي الذي أفضى الى هذه الأساليب في احتجاجات الشوارع وما يقابل ذلك من تصوير الشرطة للمحتجين مثل أعداء أو عناصر احتلال.

عصر الاصلاح الأميركي

كانت الفترة المبكرة من القرن العشرين تدعى "عصر الاصلاح" في أعمال حفظ الأمن في الولايات المتحدة، ولكن التغيرات في ذلك الوقت دفعت قوات الشرطة الى وضع أقرب الى وضع الجيش. وخلال عصر الاصلاح بدأت دوائر الشرطة باستخدام مسدسات 38 الخاصة التي يستخدمها الجيش الأميركي اضافة الى تبني طرق جديدة لتحديد مسرح الجريمة والتنبؤ بعمليات المستقبل ومن ثم نشر قوات وفقاً لذلك.

يذكر أن أوغست فولمر كان يعرف بأنه "والد أعمال حفظ الأمن العصرية" وقد ترأس ادارة الشرطة في بيركلي بولاية كاليفورنيا في عام 1909 وحرص على تبني الطرق الجديدة في العمل الأمني والتي انتشرت بسرعة في شتى دوائر الشرطة في الولايات المتحدة. وعلى أي حال كانت تلك الطرق في ذلك الوقت تعتبر خطوة راديكالية مبتكرة، ولكن فولمر تبناها بناء على خبرته السابقة في الجيش الأميركي خلال الحرب الفلبينية – الأميركية والتي أسفرت عن مقتل حوالي 200 ألف فلبيني في الفترة ما بين 1899 و1902 وعن سيطرة الولايات المتحدة على الفلبين. وقد اعتمد الجيش الأميركي على الطرق الحديثة المذكورة في تحديد مواقع ثوار الفلبين ومعسكراتهم في ذلك البلد. واستخدم فولمر يومها معلومات الوسائل الجديدة في تحديد تحركات ومواقع الثوار ومطاردتهم. وبعد ذلك، وعندما أصبح ضابطاً في الشرطة الأميركية عمد الى تطبيق الأسلوب ذاته على العمليات الأمنية في البلاد وقد وصف ذلك الجهد على أنه عبارة عن “فن خوض حرب على الخارطة".

طرح طرق جديدة

عندما تم انتخاب فولمر مديراً للشرطة في بيركلي في عام 1905 أمر قوة الشرطة في المدينة باستخدام الدراجات في التنقل وتسببت تلك الخطوة بسخرية وانتقاد من قبل الصحافة والبعض من المسؤولين ولكنها وفرت لقوات الشرطة قدرة جديدة في التنقل والحركة. وهكذا أصبح في وسع الشرطة على الدراجات امكانية تغطية مساحات أوسع وسرعة أكبر تفوق الدوريات الراجلة. ثم، وفي أوائل العشرينات من القرن الماضي، شكل فولمر وحدة تعمل بالسيارات في مدينة لوس أنجلس وحذت حذوها كل دوائر الشرطة في الولايات المتحدة.

وبعد وقت قصير، بدأت قوات الشرطة في مطاردة المجرمين بالسيارات في كل المدن الأميركية، وكان فولمر أخذ الفكرة من حملة الولايات المتحدة في الفلبين التي استخدمت في مكافحة الثوار طريقة النظام المفتوح الذي يعتمد على تحديد مواقع الثوار وتدميرها عن طريق وحدات نخبة صغيرة – وقد عمل فولمر في واحدة من الوحدات، وكان يقول إن قوة الشرطة "يجب أن تتمكن من الانتقال من مسرح عمل الى آخر بسرعة".

جدير بالذكر أن فولمر حرص على تطبيق أساليب اخرى جديدة تعلمها من تجربته في الفلبين وأنشأ، على سبيل المثال، دوائر استخبارات للشرطة وفقاً للنظام الذي كان متبعاً في الجيش الأميركي، كما أنه دشن البعض من أكاديميات تدريب رجال الشرطة في الولايات المتحدة، ولكن كل تلك الأساليب لم تكن من بنات أفكار فولمر وحده.

وفي عام 1912 أصبح جيمس روبنسون رئيساً لادارة الشرطة في فيلادلفيا، وكان أيضاً أحد المحاربين القدماء وقد عمل على تقديم أساليب مشابهة لتلك التي طرحها فولمر من قبل. وفي عام 1920 شكل سميدلي بتلر قوة الشرطة في فيلادلفيا على النسق المتبع في الجيش مستلهماً طريقة تشكيل مشاة البحرية في الولايات المتحدة اضافة الى اقامة نقاط تفتيش لضمان الأمن وحقق المئات من الغارات على مخابئ المجرمين مدفوعاً بخبرته السابقة في الحرب الاسبانية – الأميركية وخدمته في بورتوريكو والفلبين وهندوراس وهايتي ونيكاراغوا.

الغزو الاستعماري

خلال العقد الأول من القرن العشرين كشفت تقارير حكومية أن قوات شرطة في البعض من مدن الغرب الأوسط استخدمت ما وصفتها بأساليب مرعبة في التحقيق مع موقوفين من جماعة “العلاج بالماء“ وهي الأساليب التي اتبعها الجيش الأميركي خلال حرب العراق من أجل استخلاص معلومات من المشتبه بهم. وكانت تلك الأساليب متبعة في الأصل في الفلبين حيث استخدمها الجيش الأميركي مع الأسرى من أجل التوصل الى معلومات عن مواقع معسكرات العدو.

وكانت طريقة التعذيب التي اتبعها نظام أدولف هتلر النازي والمعروفة بإسم “تأثيرات الارتداد “قد استخدمت من أجل اخضاع آسيا وإفريقيا قد انتشرت في أوروبا أيضاً. ويمكن القول إن الطريقة ذاتها قد استخدمت من جانب الشرطة الأميركية على الرغم من أنها كانت تهدف في الفلبين الى تحديد مواقع الثوار.

ويرجع الدافع وراء تلك الأساليب الى الاعتقاد بأن ما تحقق في ذلك المسار في الخارج من أجل القضاء على خطر المجرمين يمكن أن ينسحب على المجرمين في الولايات المتحدة، وقد تم انتخاب فولمر رئيساً لشرطة بيركلي لأن كبار المواطنين شعروا بقلق من قيام رجال العصابات الصينية باحضار بائعات الهوى وتجارة الأفيون والقمار الى المدينة، ونظراً لأن فولمر نجح في محاربة رجال العصابات في الفلبين فقد كان الرجل المفضل للقضاء على موجة الاجرام في بيركلي. وفي واقع الأمر كانت المداهمات الأولى التي قام بها فولمر هناك قد استهدفت بيوت القمار كما أن الاعتقالات شملت عدداً من الأجانب بقدر يفوق أبناء الوطن.

حرب ضد الجريمة

وتطورت تلك الصور الى واقع جديد يدعو الى تخيل المدن الأميركية مثل ساحات غزو، وفي حقيقة الأمر فإن فولمر عندما طلب من رجاله استخدام "العلوم الحربية" في حفظ الأمن شدد أيضاً على أن المهمة الحالية تتمثل في "الحرب ضد أعداء المجتمع"، ومن هذا المنطلق لم يكن غريباً أن يشرع رجال السياسة والشرطة في مطلع القرن العشرين بالتحدث عن حفظ الأمن على شكل "حرب ضد الجريمة" في مختلف الأوساط الأميركية.

واستمر هذا المسار خلال القرن العشرين، وكما قال المؤرخ ستيوارت شريدر في كتابه بعنوان "شارات من دون حدود" في الفترة ما بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي فإن الشرطة الأميركية استخدمت الأساليب العسكرية ذاتها التي كانت تستخدمها القوات الأميركية والبريطانية في فيتنام والملايو وفنزويلا وقد ساعد جون نلسون وهو محارب قديم في الحرب الفيتنامية في عام 1967 في تشكيل أول وحدة أميركية خاصة تستخدم الأسلحة والأساليب القتالية المتقدمة في دائرة شرطة لوس أنجلس.

ولم تكن تلك الوحدات الإرث الوحيد الذي خلفته الحرب الفيتنامية في اطار عمليات حفظ الأمن، ويقال ان أحد رجال الشرطة في شيكاغو ويدعى جون بيرغ شارك في مطلع السبعينيات من القرن الماضي مجموعة من زملائه في تعذيب عدد من المشتبه بهم من الأميركيين الأفارقة وذلك باستخدام طريقة الصعق الكهربائي. وكان بيرغ خدم في الجيش الأميركي خلال حرب فيتنام وهو ينتمي الى منظمة عنصرية يمينية وقد تعلم أثناء خدمته كيفية استخدام الصعق الكهربائي الذي كان يستخدم ضد الثوار الفيتناميين.

من جهة اخرى، أسهم تورط الولايات المتحدة في قضايا الشرق الأوسط في نقل أساليب مماثلة من التعذيب الى الوطن وقد تطورت فكرة النظر الى المواطنين الأميركيين من ذوي البشرة السمراء على أنهم من الأعداء المحتملين، ويحذر الخبراء من تجاهل التوجه نحو النظرة السلمية في المجتمع الأميركي والانعكاسات المحتملة لتصاعد العنف العرقي هناك.

*جوليان غو

دعوات عديدة إلى منع عسكرة الشرطة باتت منتشرة في الولايات المتحدة

راند بول السيناتور الجمهوري وبرايان شاتز الديمقراطي طالبا بإلغاء البرنامج 1033 الذي يسمح لرجال الشرطة بالحصول على معدات حربية
back to top